رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مملكة الفنكوش


أؤكد أن دولة "مملكة الجبل الأصفر" التي أعلنت الأمريكية من أصل لبناني "نادرة ناصيف" عن قيامها على الحدود المصرية السودانية، لا تتعدى فكرتها منتج "الفنكوش" الذي قدمه الفنان "عادل إمام" في فيلمه الشهير "وحدة بوحدة" عام 1984، وأن الأمر لا يستحق كل هذه الضجة الواسعة التي آثارها البعض في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.


فالمتمعن في الأمر بهدوء، سوف يكتشف وبسهولة أن الفكرة في محتواها لا تخرج عن كونها "دولة هولامية" من المستحيل أن تولد أو تتواجد بالشكل الذي أعلنت عنه "ناصيف" لأنها باختصار لا تمتلك الحد الأدنى من الأسس التي حددها القانون الدولي لإقامة أي دولة، والمتمثلة في "الأرض، والشعب، والحكومة، والاعتراف الدولي".

ولعل ما يجعلني أعزز تلك الفرضية، أن تلك الدولة "الوهمية" تقع في منطقة إستراتيجية، تمثل لكل من مصر والسودان "أمنا قوميا" من المستحيل القبول بأن تولد عليها دولة، نظرا لقربها الشديد من بحيرة ناصر والسد العالي، وتماسها المباشر بمنطقة شمال السودان، حيث تقع تحديدا في "مثلث بارتازوجا" أو ما يطلق عليها "بئر الطويل" بين مصر والسودان على مساحة 2060 كيلو مترا مربعا.

وعلى الرغم من عدم وقوع المنطقة تحت سيادة أي من الدولتين، نظرا لملاصقتها لمثلث "حلايب وشلاتين" المتنازع عليه منذ سنوات، إلا أن أي منهما لن يسمح بقيام مثل هذه الدولة، التي سبق أن أعلن شخص أمريكي يدعى "جيرمي هيلتون" عن تأسيس دولة "شمال السودان" عليها عام 2014، وتكرر الأمر عام 2017 حينما قام رحاله هندي برفع علم في المنطقة، وأعلن نفسه ملكا عليها، إلا أن الإعلانين مرا أيضا مثل "فنكوش عادل إمام".

ولا أدري كيف تناول البعض أمر "المملكة المزعومة" على أنها حقيقة، في حين أنه لا توجد دولة في العالم لا تمتلك "شعب" وأنه من المستحيل حتى توقع فرضية قيام "دولة عنصرية" في تلك المنطقة على غرار "دولة إسرائيل" التي تم جمع شعبها على أساس عقائدي وطائفي من "يهودية وصهاينة" العالم، في حين أن "مملكة الجبل الأصفر" كما ادعت "نصيف" ستجمع شعبها من اللاجئين والمهاجرين من أبناء الدول المنكوبة، الذين يبحثون عن ملاذ آمن "أي أنه لا رابط بينهم" ومن المستحيل أن يغامر سوري أو يمني أو حتى مواطن من دول أفريقيا الفقيرة، بحمل جنسية دولة تقام في منطقة ملغومة، وتواجه رفضا، ولا تحمل بوادر ملامح أو مستقبل.

حتى ولو تزينت بـ "وعود وردية" كالتي أعلنتها "ناصيف" بأن تكون مركزا تجاريا عالميا، وتضم مؤسسات حكومية على نسق الدول الكبرى، وتستند إلى دساتير تضاهي المعمول بها في السويد واليابان وسنغافورة، وأن تعتمد على الأفذاذ من أصحاب الشهادات العلمية في بناء الدولة، لأن كل ذلك لا يخرج في النهاية عن كونه "وعود" لدولة لا تملك حتى الحد الأدنى من المقومات أو الموارد أو الثروات الطبيعية.

كما أن "نادرة ناصيف" ذاتها، ما هي إلا ناشطة مغمورة، ولا تمتلك الحد الأدنى من "مقومات الزعامة" ولا تزيد عن كونها صاحبة "مركز استشاري متخصص في شئون التعليم وتعزيز السلام" ولا تمتلك حتى "الكاريزما" التي تجعل أي من القوى الدولية "المجنونة" توظفها للقيام بمثل هذا الدور.

ولعل ما يجعلني آسفه من الأمر، أن "نصيف" أعلنت عن قيام الدولة المزعومة، وقدمت نفسها بصفتها "رئيسة وزراء" في مؤتمر تافه، لم يحضره سياسي أو ممثل واحد لدولة، ولم تذكر حتى من فوضها أو عينها في هذا المنصب، ولم تكشف حتى عن شخصية "ملك مملكة" أو حتى فردا واحدا من حكومة الدولة المزعومة.

في الوقت الذي لم تخرج فيه دولة واحدة في العالم للتعليق على ما أعلنته "نصيف" أو الاعتراف بـ"مملكة الفنكوش" ولم يحرك الأمر ساكن مسئول واحد في مصر أو السودان.

أؤكد أن إعلان "نادرة عواد ناصيف" لا يخرج عن كونه "شو إعلامي" لا غرض من ورائه سوى "الشهرة" وأن دولة "مملكة الجبل الأصفر" لا تخرج عن كونها "فنكوش" لا أساس ولا وجود له على أرض الواقع، لا لشيء سوى أن لقيام الدول مبادئ وأسسا حددها القانون الدولي، ولا يتوفر الحد الأدنى منها لـ "مملكة الفنكوش".
Advertisements
الجريدة الرسمية