رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"عبيد" في بلاد "المور"


أؤكد، أنه يقع على عاتق الرئيس الموريتاني الجديد "محمد ولد الغزواني" وكل أفراد حكومته، مسئولية اجتماعية وتاريخية كبيرة تجاه القضاء على ملف "العبودية" المترسخ في البلاد منذ آلاف السنين، والذي بات نموذجا مأساويا فريدا وغريبا، لا وجود له في العالم سوى في موريتانيا.


فقد قدرت تقارير دولية عدد "العبيد" في بلاد "المور" في عام 2007 بنحو 600 ألف، في حين قدرتها تقارير دولية أخرى بنحو يصل إلى 140 ألفا، وحجمت تقارير صادرة في العام الماضي العدد في 43 ألفا، وهو ما جعل موريتانيا تصنف "الأولى عالميا" في ممارسة كل أشكال العبودية، طبقا لتصنيف "مؤشر الرق العالمي" الصادر عن مؤسسة وولك فري العالمية.

وتمارس العبودية في موريتانيا تحديدا ضد أبناء طائفة "الحراطين" التي تعد إحدى المكونات الأساسية للمجتمع الموريتاني، ويعود أبناؤها لأصول أفريقية، لكنهم يتحدثون العربية، علاوة على فئتين أخريين، وهما "البيضان" أو أصحاب البشرة البيضاء، وهم ينتمون لقبائل عربية وأمازيغية، بالإضافة إلى "الأفارقة الذين لا يتحدثون العربية" وينطقون بلهجات أفريقية واللغات الولفية والسونوكية والبولارية.

حيث تعيش تلك الفئات حياة غاية في القسوة، حتى "وإن تحرروا" حيث يعاني من كانوا عبيدا، أو آباؤهم عبيدا، وتحرروا، من فقر وجهل مدقع، بسبب عدم تغير ثقافة المجتمع أو تركيبته، والتي تورث العبيد من الآباء للأبناء مثل أي عقار والأرض، وهو ما يجعل كثيرا ممن تحرروا يفضلون البقاء في حياة العبودية، ورفض مغادرة بيت ملاكهم، عن البقاء في الشوارع بلا مأوى أو عمل.

وعلى الرغم من تحرك الأنظمة السابقة للقضاء على الملف الكارثي منذ عام 1981 بصدور مرسوما رئاسيا يمنع نظام "الرق" في البلاد، وأعقبه صدور قانون في عام 2007 يجرم المتاجرة بـ "العبيد" ثم قانون ثالث في عام 2015 يصنف الجرائم المرتبطة بالاسترقاق ك "جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم" إلا أن كل هذه الإجراءات جاءت جميعها بمثابة حبر على ورق، بسبب تراخي كل الأنظمة السابقة في تفعيلها، وهو ما جعل من ملف "العبودية" ورقة ضغط تستخدمه كل القوى الدولية ضد موريتانيا، وقتما شاءت.

للأسف إن الواقع على الأرض يؤكد أن الشعب الموريتاني يعد من أطيب وأنقى الشعوب العربية على الإطلاق، إلا ظاهرة "الاستبعاد" ترتبط معه بموروثات اجتماعية وتاريخية ودينية خاطئة، على الرغم من إصدار "رابطة العلماء الموريتانيين" التي تعد أكبر تجمع للعماء في البلاد، بيانا في 26 مارس 2015 اعتبرت فيه الرق "محرما شرعا" أعقبه فتوى في أبريل من ذات العام، أصدرها العالم الموريتاني الكبير "الشيخ محمد الحسن ولد الددو" تعتبر جميع أنواع الاسترقاق باطلة من الناحية الشرعية.

ورغم ذلك، مازالت ظاهرة "العبودية" موجودة وتمارس بقوة، خاصة داخل المجتمعات الريفية، بسبب وجود كتب فقهية وفتاوى تدرس في البلاد وتنتشر على نطاق واسع، ترسخ وتبيح الاستعباد، وتستبيح أعراض العبيد، وجميعها تعود إلى المذهب المالكي، الذي جرم قانون "مكافحة الكراهية" في البلاد مخالفته، وهو الأمر الذي دعا حزب "الصواب الموريتاني" إلى إصدار بيان شديد اللهجة منذ أيام، حذر فيه السلطات الأمنية والإدارية والقضائية في موريتانيا، من التراخ في مواجهة حالات "الاسترقاق البغيضة" داعيا كل القوى الوطنية الموريتانية للتحرك والبحث عن إجراءات عملية للتصدي للظاهرة.

أؤكد أن ملف القضاء على "حياة العبودية" بكل أشكالها يجب أن يكون أولى ملفات الرئيس الموريتاني، خاصة وأن كل القوانين التي صدرت للحد من الظاهرة "لم تفعل" وأن العقل يفرض ضرورة البحث عن وسائل تكفل تغيير المفاهيم والثقافات الخاطئة التي تأصلت بالمجتمع منذ آلاف السنين، بحيث تكفل "تحرير العبيد" وإنقاذهم بشكل جذري، من كل ممارسات "العبودية والفقر والجهل والتهميش" والقضاء على ظاهرة "بغيضة" مقتها الإسلام، ولفظها العالم منذ أكثر من 14 قرنا.

ولا حول ولا قوة إلا بالله
Advertisements
الجريدة الرسمية