رئيس التحرير
عصام كامل

سيد درويش.. مرَّ من هنا.. منزله ومقبرته مرتع للحيوانات الضالة وتحاصرهما تلال القمامة.. الإهمال يغتال تراث «فنان الشعب».. وزائرون من كل دول العالم يأتون لاكتشاف عبقرية «بيتهوفن» مصر

فيتو

حين تطأ قدماك مقبرة الموسيقار الراحل سيد درويش بمقابر المنارة وسط مدينة الإسكندرية، فإن أول ما يلفت نظرك تلك الكلمات المكتوبة على جدران المقبرة "يا زائري لا تنسني من دعوة صالحة لي، وأرفع يداك إلى السماء وأقرأ لروحي الفاتحة"، لكن أكثر ما يحزنك أن تجد مقبرة واحد من عظماء مصر تعانى إهمالا واضحا وتحاصرها القمامة من كل جانب.


"درويش" الذي رحل بجسده، لكن ألحانه ما زالت تملأ الدنيا، تحول منزله في منطقة كوم الدكة إلى "خرابة" ومرتع للحيوانات الضالة بسبب الإهمال والتقاعس في الحفاظ على إرث واحد من أهم الموسيقيين في تاريخ مصر.

وبالتزامن مع ذكرى رحيله زارت "فيتو" منزل وقبر درويش، والتقت عددا من جيرانه والتربي المسئول عن مقبرته، لتلفت الأنظار مرة أخرى للإهمال الذي ضرب منزله، وحالة النسيان لتاريخه.

أقارب الموسيقار
عم محمد- أحد القائمين على مقابر المنارة- قال: إن عددا من أقارب الموسيقار الراحل يأتون لزيارة مقبرته على فترات منهم الفنان إيمان البحر ومحمد حسن ابن شقيقه، وعددا من محبي الشيخ من مختلف الأعمار والفئات، وأضاف: "كان هناك شخص يدعى عم شعبان، يأتي بصفة دورية ويقرأ الفاتحة بصوت جهوري، وكان صوته عذبا للغاية، وكل ما نعرفه أنه من محبي الشيخ سيد ومستمع جيد لألحانه ويحفظ عددا منها".

منزل درويش
ومن المقبرة إلى منزله بأحد الشوارع التي حملت اسمه بعد وفاته بمنطقة كوم الدكة، فقد تحول منزل فنان الشعب لخرابة ومرتع للحشرات والفئران وتجمع تلال القمامة بداخله، فخلو المنزل لسنوات طويلة شجع بعض الأهالي على استخدام البهو في تربية الماشية، واتخذوا من سوره مكانًا لنشر ملابسهم ومتعلقاتهم الشخصية، دون وجود أي ملامح أو صور أو ذكريات تشير إلى الموسيقار الراحل وأعماله الفنية.

الإهمال والتشوه لم يتوقف على منزل سيد درويش فحسب، بل طال منطقة كوم الدكة برمتها، تلك المنطقة التي شهدت مولد ونشأة فنان الشعب، وتم تركها فريسة سهلة لكبار تجار المقاولات في هدم تراث ومعالم المنطقة التاريخية وتحويلها لصالحهم.

على شتيوي- أحد جيران منزل الموسيقار الراحل- تحدث عن الإهمال الذي يتعرض له المنزل قائلا: "بعد وفاة درويش لم يتبق منه غير ذكريات مع محبيه وعشاقه من الجماهير العاشقة التي تأتى لتتذكر معه فن الزمن الجميل من خلال أغانيه الشهيرة، إلا أنهم يأتون دائما لمنزله بالمنطقة لإقامة بعض الفعاليات الغنائية وإحياء ذكرى مولده ووفاته، بالإضافة إلى زيارة بعض الطلاب من مختلف الجامعات للتعرف على تاريخ منزل فنان الشعب من أهالي المنطقة، والتقاط الصور التذكارية، ووضع باقات الورود والكتابة على جدران المنزل، بجانب زيارة الوفود السياحية من مختلف دول العالم.

وهناك الكثير من الزوار يبدون غضبهم واستياءهم لما وصل إليه حال هذا التراث الفنى الكبير وكيف تحول إلى خرابة وملجأ للخارجين عن القانون.

وأضاف: "بعض أهالي المنطقة استولوا على بعض الغرف داخل المنزل، ويستخدمونها في أعمال غير قانونية مثل الاتجار بالمواد المخدرة، والمنزل كان مكونًا من طابق واحد يضم 3 غرف ومساحته 70 مترا، وكان فنان الشعب يقيم بداخل إحدى الغرف في المنزل".

محاولات للبيع
وتابع: "كانت هناك محاولات مستمرة لبيع المنزل إلا أن ورثة سيد درويش رفضوا بشكل قاطع بيعه، وتم مخاطبة العديد من منظمات المجتمع المدني ومسئولى المحافظة من أجل إعادة ترميم المنزل وتحويله إلى متحف يضم مقتنيات فنان الشعب، والانتفاع بالمكان، وإقامة الفعاليات والمبادرات الغنائية بداخله حتى يعود بالنفع على جماهير الإسكندرية في الاستفادة من هذا العرس الفنى الكبير.

وتابع: كل عام يُنظم محبو سيد درويش احتفالا أمام المنزل، لإحياء تراث الفنان الراحل، في ذكرى وفاته، 10 سبتمبر، يحضره حفيده إيمان البحر درويش، وعدد من الشخصيات والمسئولين، بالإضافة إلى حرص الفنان سمير صبرى وسميحة أيوب على التواجد لإحياء ذكرى فنان الشعب، لكن لم يتطرق الحاضرون والمشاركون في مثل هذه الفعاليات في التحدث عن أي شىء يتعلق بترميم البيت أو تحويله لمزار سياحى أو متحف.

وكثيرون من أهل الفن لعبوا دور الوسيط خلال الفترة الماضية في حث وزارة الثقافة على شراء المنزل، وإعادة تطويره مرة أخرى، لكن لم يسفر الأمر عن أي اتفاق.

وأضاف الحاج شعبان حسن أحد أهالي المنطقة، أن الكثير من المحبين يترددون يوميا على منزل سيد درويش بالمنطقة، ويتساءلون عن موقع نشأته ومولده، إلا أن القمامة احتلت المنزل من الداخل والخارج، بالإضافة إلى استغلال بعض التجار والباعة له في وضع بضائعهم ومتعلقاتهم بداخله، وتابع: "تقدمنا بالكثير من الشكاوى والاستغاثات إلى جميع الجهات المعنية في الحي والمحافظة ووزارة الثقافة، ولكن لا حياة لمن تنادي والجميع ترك هذا المنزل وبقي الوضع على ما هو عليه دون أي تدخل لإنقاذ هذا الصرح الثقافى الكبير وتحويله إلى مزار ومتحف يحكى تاريخ ونشأة واحد من أهم الموسيقيين في تاريخ مصر".

بدوره قال محمد حسن درويش، أحد أحفاد سيد درويش، ورئيس جمعية محبي موسيقي سيد درويش: إن هناك إهمالا واضحا من وزارة الثقافة في جمع تراث درويش، وأغانيه وألحانه، وكذلك إهمالا في منزله الذي عاش ومات فيه، ولم يتم الاهتمام به وتحويله لمكان تراثي يجمع مقتنياته وألحانه، وشدد درويش، على أن جده الشيخ سيد، اغتيل على يد الإنجليز بالسُم لوأد الحركة الوطنية وقتها، خاصة وأن أغانيه كانت تلهب الثورة وتشعلها، وأرادوا أن يسكتوه للأبد، ودسوا له السم في الطعام عن طريق إحدى السيدات.
الجريدة الرسمية