رئيس التحرير
عصام كامل

بطولة "أسماء"و"سالمة" في مصر


كلنا يعرف حكاية السيدة "أسماء بنت أبي بكر"، وأنها لم تهن ولم تضعف، عندما استشارها ابنها، عبد الله بن الزبير بن العوام، في أمر مستقبل كفاحه ضد الأمويين، وجيشهم الذي حاصر أهل البقعة المطهرة خمسة أشهر وسبع عشرة ليلة‏، ومنع عنهم الماء والزاد، ونصب المنجنيق لضرب الكعبة المشرفة، حتى هدم معظم أجزائها، ولم يرعِ حرمتها العظيمة، ومخاوفه من التمثيل بجثمانه بعد قتله، الذي صار وشيكًا..


لحظتها انتصرت مشاعر الصحابية المجاهدة على مشاعر الأم الرءوم، وانطلقت "أسماء"، لتعلن قولتها التي خلدها التاريخ، قائلة: "إن كنت على حق فلا تخشَ القتل، وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها"؟!

يقف التاريخ الإنساني، والإسلامي بخاصة، بوافر التقديس والإجلال، أمام بطولة تلك السيدة العربية العظيمة..  لكن من يعرف قصة كفاح "سالمة المصرية"، أُمِّ الأبطال.

 بعد أكثر من ألف عام علي قصة السيدة أسماء بنت أبي بكر طالعتنا قصة أخرى شديدة الروعة لسيدة مصرية قدمت فلذة كبدها؛ فداء لمصر، صابرة محتسبة، راضية، مطمئنة، ودون أن يرمش لها جفن، وكان بمقدورها أن تنقذه، إلا أنها نصحته بتنكب الصعب، ومواصلة التضحية في سبيل الوطن، حتى جاد بآخر أنفاسه فداء لمصر.

المناضلة السيناوية المصرية "سالمة شميط"، التي اشتهرت في سيناء الحبيبة بـ"أم الأبطال"؛ لدورها البطولي بعد نكسة 5 يونيو 1967، بدأت قصة كفاحها، بعدما احتلت إسرائيل سيناء، وسعت لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن فقدت زوجها في أحد التفجيرات التي سببها الاحتلال، وأقسمت على استكمال مشوار زوجها البطل بعد أن لملمت أشلاء جسده المتناثرة، وحشدت همم أبنائها "محمد" و"موسى" و"مريم".

لكنها تلقت الضربة الثانية في ولدها الأكبر "محمد" الذي سقط شهيدًا أثناء تركيب أحد الألغام على طريق رتل عسكري إسرائيلي، ليبقى لها ولدها "موسى" وابنتها "مريم".

وعلى الرغم من فقد زوجها وابنها الأكبر، فإنها أصرت على استمرار المشوار مع ابنها "موسى"، حتي لقبت بـ"أم موسى" وتعلمت فك الألغام وتركيبها، واستطاعت مساعدة ابنها في فك الألغام من الصحراء من خلال التمويه، ونقلها على بهيمتها، وهي ترعى الأغنام  إلى مكان يحدده ابنها فيقوم بتركيبه في طريق جنود الاحتلال، الذي لم يعلم من أين تأتي هذه الضربات، ولم يكن يعلم أن وراء كل هذا سيدة بدوية ترفض الاحتلال.. 


انفجر أحد الألغام في ابنها "موسى" ففقد إحدى عينيه، وتهشم قفصه الصدري، بسبب مئات الشظايا التي سكنت جسده وتم القبض عليه وهو جريح لا يستطيع الكلام أو الحركة، وجاءها خبر استشهاده، لكنها لم تصدق، إلى أن تم السماح لها بزيارته في السجون الإسرائيلية من أجل الضغط عليه ليعترف للمحققين بأنه وراء التفجيرات الأخيرة، وأتوا بها معصوبة العينين، وتوقعوا أن تستجيب لرغبتهم، خوفًا على حياة فلذة كبدها، فإذا بها تهمس في أذن ابنها: "لا تبك يا ولد.. وخليك راجل.. مازالت أرضنا محتلة، واصمد فالشدائد تصنع الرجال".

ووقعت الكلمات على عناصر المخابرات الإسرائيلية كالصاعقة، وتعجبوا من صمود هذه المرأة البدوية وشجاعتها غير المعهودة.

هذا الصمود من البطلة الفدائية "سالمة" والشعب المصري، وكفاح أبطال قواتنا المسلحة، كان الطريق إلى معارك الاستنزاف والنصر العظيم في أكتوبر 1973.

وفي يوم 6 فبراير عام 2015 فاضت روح البطلة "سالمة شميط" أو"أم موسى" إلى بارئها، وودعتها شمال سيناء ومصر إلى مثواها الأخير، ولكن بطولاتها سوف تعيش في سجلات التاريخ ما بقيت الحياة.

ألا تستحق "سالمة المصرية" أن تكتب قصتها ليدرسها الطلاب في المناهج الدراسية، وأن ننتج عن حكايتها عملًا دراميًّا يسجل بطولتها، وفدائيتها، وتضحيتها، لتتعلم منها فتياتنا معنى الانتماء، وحب الوطن؟! وحتى الآن فالبطلة "سالمة شميط"، لم تتلق أي نوع من التكريم، ولو حتى بإطلاق اسمها على أحد الشوارع ؟!.
الجريدة الرسمية