رئيس التحرير
عصام كامل

مخلفاهم ٨


تسأل جارتها في فضول شديد عن أسباب عدم إنجابها طفلا ثالثا ورابعا بل وخامس حتى الآن، كى تحوز «العزوة والسند»، وألا تكتفى بالولد والبنت فقط، لأنها يجب أن تكون مثل الأخريات من باقى الجارات، "أم فلان" التي لديها أربعة من الأولاد، و"أم علان" ـــ ماشاء الله ــــ لديها نصف دستة!.


روت لى زوجتى عن بائعة الخضراوات الطيبة، التي تشكو زوجها العامل البسيط الأرزقى، وقد أرهق صحتها بالإنجاب المتواصل، فلم تقدر على مخالفة أوامره، بمحاولة الاكتفاء بعدد محدود من الأولاد وتنظيم النسل، إلى أن أصبح لديهما ثمانية أبناء، ٣ من الذكور، و٥ إناث في مراحل عمرية مختلفة.

أخرج الأب ولدين من المدرسة، كى يسعيا على لقمة عيش إخوتهما إلى جواره، أحدهما يعمل "تباع" على سيارة ميكروباص، فيما يعمل الآخر في أحد مخازن الخردة، واكتفى بإدخال فتاة واحدة المدرسة كي تكمل تعليمها، كونه غير مقتنع بأهمية تعليم الأخريات الأكبر سنا، لأن مصيرهن إلى الزواج والإنجاب، حسب قناعته، ووسط كل هذا وصلت "أم الثمانية" إلى عامها الثانى والأربعين، وتنتظر أيضا مولودها التاسع، الذي جاء ــــ وفق قولها ـــ «غلطة»!.

مشكلة عبر أحد صفحات موقع التواصل الإجتماعى «فيس بوك» من إحدى السيدات، عن شقيقتها التي أنجبت ولدا وبنتا، ثم أصابها مرض عضال مزمن، يجعل القيام بأعباء الطفلين الصغيرين أمرا بالغ الصعوبة دون اللجوء إلى مساعدة أحد.

ومع ذلك تتمنى السيدة المريضة شفاها الله وعافاها، بل وتسعى جاهدة في محاولات الإنجاب مرة أخرى كى تكمل العدد ٤، مثل «سلفتها»، ولأنها لم تشعر - حسب قولها - بأنها أنجبت أطفالا، وحينما سألتها شقيقتها صارخة: «من أين الصحة والرعاية للسابقين وللجدد؟»، ردت عليها بكل أريحية: «سيبيها على الله العيال بتربي بعضها!».

كنت أنتظر دوري في المخبز، وصاح صاحبه في إحداهن، التي حجزت "كوبون" لأسرتها المكونة من ستة أفراد، وآخر لجارتها التي تتكون أسرتها من ثمانية أفراد: «كل ده عيش هتاخدوه؟»، وأعطى السيدة كمية الخبز الكاملة للأسرتين حسب الكوبون، في عملية استغرقت وقتا، كون الأولى اشترت حصة ثلاثة أيام وتبلغ ٩٠ رغيفا، فيما اشترت للأخرى حصتها وتبلغ ١٢٠ رغيف!.

ينجبون بعشوائية مقيتة على قاعدة أن «العيل بييجي برزقه»، وحقيقة أن الله هو الرازق، ولكن لمن أحكموا عقلهم ودينهم في تنظيم وتيسير أمور حياتهم، فرأوا في هذا التوحش السكانى، نذر خطر شديد، قد يلتهم الأخضر واليابس.

من اتخذوا السبهللة و«ظرب» الأطفال، منهجًا، هم أنفسهم من يلتهمون حقى وحقك في تعليم وفصول غير مزدحمة، في رعاية طبية، وغذاء متوافر ومسكن، بل ويطالبون بالمزيد والمزيد من حقوق أطفالهم الكُثر.

حينما يغيب العقل، وتسود موروثات الجهل والعبث، وتتفشي قيم الغباء، يؤمن هؤلاء بأن العدد سند، وبأن العزوة شدة ظهر، وما هي في الحقيقة إلا قصمة ظهر وانحناءة رأس، وذل احتياج، وعوز إلى آخر العمر.

ولد وبنت وثلاثة، مثل أربعة وخمسة وستة وثمانية وعشرة، نفس شعور الرضا بامتداد السلالة، نفس شعور السعادة بغريزة الأبوة والأمومة، نفس شعور العزوة واللمة، فهلا عايشنا واقعنا بما يرضى الله عز وجل ورسوله، وبما تسمح به ظروفنا، وبما لا يجعل أبناءنا يصبون علينا اللعنات صبًا فيما بعد.. أتمنى.
الجريدة الرسمية