رئيس التحرير
عصام كامل

نجوم من ورق


أؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تحولت خلال السنوات الأخيرة "بفعل فاعل" من منصات للتواصل والتعبير الحر عن الآراء والمعتقدات، إلى ميادين للمعارك، وتوجيه الرأي العام، وصناعة "نجوم من ورق" بعد أن أصبح يتحكم في محتواها "جيوش إلكترونية" سخرتها حكومات وشخصيات للقيام بتلك المهام.


وما يدعو للسخرية، أن تلك الجيوش قد نجحت بالفعل منذ أن بدأت عملها في مصر في عام 2009 وحتى اليوم، في توجيه الرأي العام المصري في كثير من القضايا، والتدخل بشكل سافر في تشويه وتلميع شخصيات، لصالح من يدفع لشركات تخصصت في هذا الأمر.

ووصل حجم الكارثة، إلى أنه أصبح باستطاعة أي شخص تافه أو غير ذو حيثية، أن يتحول إلى "ترينيد" يحتل صدارة محركات البحث خلال ساعات، أو تغيير اتجاه الرأي العام تجاه قضية معينة، أو تصدير نفسه للعامة في صورة "البطل" أو تشوه من يشاء، في مقابل لا يزيد عن ال 10 آلاف جنيها، يتم دفعها لأي من الشركات، التي تمتلك الآلاف الحسابات الوهمية، وتديرها من خلال تلك الجيوش.

ولعل ما يدعو للحزن، أنه قد أصبح لتلك الجيوش بالفعل "سطوة" بدأت مع الاستعانة بها في عهد مبارك للترويج ل" جمال مبارك" وصلت في الوقت الحالي إلى حد أنه أصبحت تتولى حماية شخصيات "سياسية وفنية وإعلامية ورياضية" لدرجة أنه لم يعد باستطاعة أي وسائل الإعلام الاقتراب من بعضهم بالنقد، وإلا سيواجه بسيل من الشتائم والبلاغات تنهال عليه، من خلال الآلاف الحسابات الوهمية التي تديرها تلك الجيوش وتمتلكها تلك الشركات.

وهو الأمر الذي استفز إدارة موقع "فيس بوك" ذاتها، ودفعها في نهاية الشهر الماضي إلى إغلاق مئات الحسابات والصفحات والمجموعات الوهمية في كل من "مصر والإمارات" بعد تورط إحدى شركات التسويق الإلكتروني في تأسيسها، في الوقت الذي أكدت فيه شركة "سوشيال بيكرز" المتخصصة في مراقبة أداء مواقع التواصل، أن مصر تعتبر من أكبر دول العالم امتلاكا للحسابات الوهمية التي يتم استخدامها للقرصنة، وأنها تأتي كثاني نشاط على موقع "فيس بوك".

للأسف أن الأمر تحول إلى كارثة، استخدمها كثير من الشخصيات العامة كـ "سلاح" لحماية أنفسهم ومصالحهم، لدرجة أن الأمر وصل بوزيرة في حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، إلى الاستعانة بجيش إلكتروني للتسويق لإنجازاتها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، ووصل بها الأمر إلى التدخل لاختيار الصور التي تنشر لها.

كما استعان وزير حالي أيضا بالكتائب الإلكترونية، للتسويق لانجازاته قبل التغيير الوزاري الماضي، خوفا من أن يطاله التغيير، وبعد استمراره في الحكومة الجديدة وحلف اليمين، اختلف مع قائد تلك الكتائب، رغبة منه في تخفيض المبلغ الذي كان يدفعه لهم شهريا.

ولم يقتصر أمر استخدم الجيوش الإلكترونية على السياسيين فحسب، بل استخدمها عدد من رجال الأعمال لحماية مصالحهم، وتصديرها للرأي العام في أبهى صورة، كان أبرزهم "رجل أعمال" كان مسئولًا خلال الفترة الماضية عن أحد المصانع الكبرى، وبعض الصحف والمواقع، حيث استعان بجيش إلكتروني ضخم، للترويج لأعماله، وتقديمه للرأي العام في صورة "رجل الخير" الذي ينحاز للفقراء في قرى مصر، في مقابل ملايين الجنيهات كان ينفقها سنويا على هذا الجيش.

وامتدت العدوى أيضا إلى الأعلاميين، حيث استعانت "إعلامية مثيرة للجدل" مؤخرا بجيش إلكتروني للترويج لها ولاعمالها، بعد تعرضها لهجوم شديد على مواقع التواصل الاجتماعي، ونجحت من خلال هذا الجيش، في وقف الهجوم، وتصديرها للعامة في صورة "سيدة الخير المريضة، التي تحتاج إلى تعاطف ودعوات الملايين.

ووصل حجم الاستخفاف، إلى حد استعانة اثنين من كبار المطربين في مصر بالجيوش الإلكترونية لحسم الصراع بينهما على لقب "نجم الجيل" لدرجة أنه أصبحت لا يستطيع موقع أو صحيفة، الاقتراب من أحدهم الذي تعدى سن الـ60، وما زال يصدر نفسه في صورة "الشاب الروش" خوفا من لجانه الإلكترونية، التي تقوم بشن حملات شرسة لا تخلو من الشتائم وتقديم آلاف البلاغات لمواقع التواصل، من خلال الآلاف الحسابات الوهمية، ضد أي موقع أو صحيفة تقدم على نشر خبر سلبي عنه على أي من مواقع التواصل.
للأسف، هكذا أصبح حال مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، تستخدم لصناعة "نجوم من ورق" وهكذا تدار.
الجريدة الرسمية