رئيس التحرير
عصام كامل

مكافحة الجريمة في ألمانيا.. توسيع تحليل الحمض النووي يثير الجدل

فيتو

غيرت الاعتداءات، التي شهدتها مدينة كولونيا خلال احتفالات ليلة رأس السنة الميلادية عام 2015، المشهد في ألمانيا، فيما يخص كيفية التعامل مع الكشف عن أصل الجناة المشتبه فيهم والتدابير الأمنية للشرطة. ويذكر أن أكثر من 600 امرأة كن ضحايا للاعتداءات الجنسية في ذلك الوقت.

واجهت الشرطة بعد كشفها عن انتماء الجناة المشتبه لمنطقة شمال أفريقيا، موجة من الغضب. وفاجأ الإعلان عن أصل الجناة العديد من المواطنين، فيما كان عدم التفهم موقف البعض الآخر منهم. من جهتها صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي واجهت بدورها هجوما واضحًا من الرأي العام، أن تلك الأفعال في إشارة للاعتداءات تستدعي "اليد الضاربة لدولة القانون".

ومنذ ذلك الحين تتعامل السلطات الأمنية بحزم مع أصل وجنسية الجناة المشتبه فيهم. بالأخص عند الجرائم الخطيرة، مثل جرائم القتل داخل محطات القطارات مثل تلك التي وقعت في مدينتي فورده وفرانكفورت، حيث طالب الرأي العام ووسائل الإعلام بالكشف عن المزيد من المعلومات حول الجناة المشتبه بهم. مما خلق المزيد من الضغط على الشرطة والقضاء لتوسيع إمكانيات البحث.

ومواكبة للتطورات، قامت وزارة العدل بإعداد مسودة تعديل لقانون تحديد البصمة الجينية للجناة وبالتنسيق مع الوزارات الأخرى المعنية لإبداء الرأي. وسيسمح التعديل القانوني للشرطة في المستقبل عن طريق تحليل الحمض النووي من تحديد لون البشرة والشعر والعينين وعمر الجاني الذي يشتبه به في ارتكاب جريمة ما. ويسمح القانون الحالي بمعرفة الجنس من خلال اختبار الحمض النووي. وسيتيح القانون الجديد، في حالة اعتماده، مقارنة عينات الحمض النووي للمشتبه بهم مع عينات أخرى معروفة.

تضييق دائرة الجناة
ورحب رئيس نقابة الشرطة، أوليفر مالشو، بهذا التوسع المحتمل في إمكانيات البحث. ويرى مالشو في حديثه لـDW أن ذلك سيساهم في" تضييق دائرة الجناة بالنسبة للتحقيقات لأنه في حالة وجود احتمال كبير في أن تكون نتائج تقييم الحمض النووي موثوق بها، فهذا سيقلل بالطبع من البحث عن مجموعات من الأشخاص الذين لا يتناسبون مع العينة المعروفة".

وفقًا لمسودة القانون، سيظل محظورًا على المحققين تحليل ما يعرف بالأصل الحيوي الجغرافي لصاحب عينة الحمض النووي. طبيًا يمكن بواسطة تحليل الحمض النووي تحديد "الأصل الجغرافي" لشخص مجهول. الطريقة مثيرة للجدل، ونتائجها غالبًا ما تكون غير دقيقة.

ويفترض رئيس نقابة الشرطة، أن الشرطة تتعامل مع بيانات البحث بشكل مسئول ولا يتأثر عملها بضغط الرأي العام. "على سبيل المثال لو حصلت الشرطة، على معلومات تتعلق بالصفات الجينية لأحد الجناة المشتبه بهم، والتي تبعد عن صفات الأشخاص في منطقة شمال ألمانيا ولم تنشرها، تتعرض الشرطة للضغط نفسه. وهذا لا يعني أن على الشرطة الحديث عن ذلك".

التحول إلى "ملف عنصري"

أثارت مسودة القانون الذي يسمح بتوسيع تحليل البصمة الجينية، أو الحمض النووي غضب بعض أحزاب المعارضة. من جانبه حذر نائب رئيس فريق حزب الخضر كونستانتين فون نوتس، من" خطوة متسرعة". كما شكك في أن تكون الحكومة قد تعاملت مع هذا الموضوع بالحرص المطلوب. وقال بأنه من الضروري أيضًا ضمان عدم وجود" تمييز ضد مجموعات معينة ".كما أكد على أن لا ينبغي أن يتحول ذلك إلى "ملف عنصري".

من جهته أدان الحزب الديمقراطي الحر مسودة القانون ورأى أنه حتى لو كان تحليل الحمض النووي هو الوسيلة الأساسية المناسبة للتحقيق في الجرائم، فإنه يشكل تدخلًا كبيرًا في تقرير المصير بالمعلومات، كما يوضح نائب رئيس الكتلة النيابية للحزب الليبرالي، شتيفان تومي.

يرى تومي أنه يجب أن تتضمن مسودة القانون التأكيد بأن لا يكون فحص الحمض النووي "موجهًا ضد مجموعة أو أقلية معينة" وله طابع "تمييزي".

لكن معالجة مثل هذه البيانات الحساسة أثناء التحقيقات قد لا تخلو من الأخطاء. فقلب المشكلة هنا يكمن في التواصل وعدم وجود إستراتيجية اتصال موحدة للسلطات الأمنية في التعامل مع أصل الجاني المشتبه به، حسب تومي

المصلحة العامة المبررة؟

تستند بعض الولايات مثل ولاية شمال الراين وفيستفاليا وبرلين وساكسونيا السفلى على ميثاق الصحافة الألماني. والذي ينص على أن لا يؤدي ذكر أصل المشتبه فيهم أو الجناة إلى تعميم تمييزي لسوء السلوك ضد الأقليات العرقية أو الدينية أو غيرها من الأقليات، ما لم تكن هناك مصلحة عامة مبررة".

لكن من يحدد هذه "المصلحة العامة المبررة"؟ وكيف تفسرها مراكز الشرطة المختلفة، وإلى أي مدى يمكن أن يؤدي هذا التفسير إلى سوء فهم أو وقوع أخطاء؟ وتعد شبكات التواصل الاجتماعي، عامل ضغط آخر للمحققين حيث يتم نشر معلومات عن أصل الجناة في مرحلة مبكرة جدًا من التحقيق وكذلك تسجيلات الفيديو التي توثق للجرائم.

جزء من الصورة العامة

عالم الاجتماع في الشرطة، رافائيل بير من جامعة هامبورغ للعلوم التطبيقية لديه تحفظات على ترجيح أصل الجاني المشتبه به. ويشير إلى أن الجنسية أو الأصل العرقي عامل ضعيف للغاية في مجال الجريمة العامة. ويقول في مقابلة له مع DW: "لا يمكن تفسير الكثير من الأشياء على الإطلاق من خلال معرفة أصل الجاني". ويضيف :"أغلب الجرائم التي يرتكبها المهاجرون، تُرتكب بعد مرور ستة أشهر على الأقل من تواجدهم هنا".

ويرى بير أن الجناة من ذوي الأصول المهاجرة، غالبًا عاشوا في ألمانيا لفترة طويلة وهم على دراية بالقيم الألمانية. "وانطلاقًا من هنا يمكن القول إن خلفية الهجرة أو الخلفية العرقية للجناة، تبقى سوى جزء من المشهد العام، لكن هناك استثناءات "جرائم الشرف" المرتبطة بالعامل الثقافي".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية