رئيس التحرير
عصام كامل

هل السطو على مؤلفات وأفكار الآخرين جريمة؟


دائمًا ما يثور التساؤل حول أسباب هروب العقول المفكرة من البلاد وكذا أسباب عزوف بعض الباحثين والعلماء عن الإبداع والابتكار، ومن أسباب هاتين الظاهرتين عدم القدرة على حماية الابتكارات والمؤلفات والأبحاث العلمية وهو يُلحق بالباحثين والعلماء أبلغ الضرر المادي والأدبي، وقد يصل بهم إلى الانسحاب من المضمار أو البحث عن مناخ آمن للبحث العلمي.


وواجب الأمانة العلمية هو أهم ما يقوم عليه العلم، وهو بذلك ينصب على العلم ذاته بأن ينسب هذا العلم إلى أهله، وذلك في أي صورة يخرج فيها هذا العلم وبأي طريقة ينشر أو يبلغ بها، سواء في صورة مرجع أو رسالة علمية لنيل درجة علمية أو مذكرات لطلبة العلم أو لغيرهم.

ويتعين على عضو هيئة التدريس حال النقل الحرفي الكامل من مؤلفات الغير أن يشير في مؤلفه إلى ذلك في المواضع محل النقل وإلا كان ذلك إخلالًا جسيمًا بواجبات ومقتضيات وظيفته كعضو هيئة تدريس بالجامعة، ويتنافى مع الأمانة العلمية التي يجب أن تكون رائد كل باحث في العلم في جميع مجالاته وفى شتى دوره وعلى الأخص في الجامعات.

ويتعين التفرقة بين الاقتباس من المصادر التاريخية المتعددة التي تتعرض لموضوع واحد وبين التعدي على حقوق الغير بالنقل الحرفي من مؤلفاتهم، ذلك أنه في الحالة الأولى فإن الاقتباس يشمل الفكر ومجالاته ولا يشمل التعبير باعتباره مسالة شخصية تختلف من مؤلف لآخر تبعًا لقدراتهم وإمكانياتهم وملكاتهم الذهنية والعلمية واللغوية.

وبالتالي فإن التعبير عما أفصحت عنه المصادر الأخرى يجب أن يكون بفكر وطريقة مغايرة، وذلك حتى لا يعتبر مخالفة ويشكل جريمة السطو على حقوق الآخرين، حيث إن النقل الحرفي لمؤلفات الغير دون الإشارة إلى ذلك في المواضع محل النقل يشكل جريمة سرقة علمية وسطو على حقوق الآخرين في الابتكار والإبداع، باعتبار أن تحديد العبارات والجمل والكلمات التي تتعرض لهذا الشئ في مؤلف ما هي إلا نتاج جهد وتفكير لهذا المؤلف وبالتالي تخضع للحماية القانونية.

وواجب التحلي بالأمانة العلمية هو أهم ما يقوم عليه العلم، ومقتضاه أن يُنسب العلم إلى أهله في أية صورةٍ يخرج فيها، وبأي طريقةٍ يُنشر أو يبلغ بها، ويتعين التفرقة بين الاقتباس من المصادر التاريخية المتعددة التي تتعرض لموضوع واحد، والتعدي على حقوق الغير بالنقل الحرفي من مؤلَّفاتهم، والتي تُشكِّل جريمةَ سرقةٍ علمية، وسطوٍ على حقوق الآخرين في الابتكار والإبداع.

جاءت هذه العبارات في حكم قضائي صادر عن مجلس الدولة، حيث أضافت المحكمة أنه يتعيَّن في حالة النقل الحرفي الكامل من مؤلَّفات غيره أن يشير عضو هيئة التدريس في مؤلَّفِه إلى ذلك في المواضع محل النقل؛ وإلا مثل ذلك إخلالا جسيمًا بواجبات ومقتضيات وظيفته.

وأنتهى الحكم إلى أنه ولئن كَانَتْ الدقة والأمانة مُتطلبة فِي شتى الوظائف والأعمال فإنها تبلُغ ذروتها حينما يتعلق الْأَمْرُ بباحث العلم ومن يحمل لواؤه ويعمل فِي محرابه وتكون لهُ أوجب ومؤاخذته عَلَيْهَا أشد، كونه عاملًا فِي محراب العلم مُنصهرًا فِي بوتقة قيم وتقاليد جامعية راسخة، تُفرض نفسها عَلَيْهِ وتنأى به عَنْ كُل ما يمس الأمانة والنزاهة والدقة فِي أدق شئون العلم الَّذِي يحمل رسالته ويرفع لواؤه فيصبح مُلتزمـًا فِي كُل أبحاثه ومقالاته ومؤلفاته أن يُنسب العلم إِلَى أهله وذويه، ويُشير إِلَى مصدر كُل كلمة أو عبارة أو معلومة إقتبسها حَتَّى ولو كَانَتْ مُشتقة مِنَ بْحَثُ أو مؤلف لهُ سبق إعداده إجلاء للحقائق وترسيخـًا للأمانة العلمية الَّتِي هِيَ أساس العمل العلمي فِي الجامعة.

وحين نستعرض الحكم نجده قد سلك مسلكًا حميدًا يحمي العلم والعلماء، ويحفظ لمجال البحث العلمى هيبته، ويُعيده كما كان من قبل محرابًا عاليًا يُطرد منه من تدنس بالسرقة والاختلاس، ومن تسعى نفسه الآثمة لأن يُحمد بمالم يفعل.. وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية