رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"توافه" مصر


لا أدري، إلى متى ستترك الدولة فوضى "الألقاب المضروبة" التي اجتاجت مصر خلال السنوات الأخيرة، والتي حولت الآلاف من الجهلاء وأنصاف المتعلمين "زورا" إلى "سفراء وخبراء وفقهاء" وغيرها من المسميات التي تمنحها جمعيات وأكاديميات ومراكز "مجهولة" في مقابل مبالغ مالية تافهة، وساهم الإعلام المصري في انتشارها بشكل كبير.


فبعد يناير 2011، فوجئ المجتمع المصري بآلاف من "الجهلاء، وأنصاف المتعلمين، ومعدومي الثقافة، وشخصيات تافهة" ما أنزل الله بها من سلطان، يعرفون أنفسهم بـ "الدكتور، والخبير، والسفير، والفقيه، والمستشار، والمحكم الدولي" وغير ذلك من الألقاب، وينشرون "علنا" على مواقع التوصل الاجتماعى صورا لاحتفالات أقامتها أكاديميات وجمعيات ومنظمات "هلامية" للاحتفال بمنحهم تلك الشهادات والألقاب.

والغريب، أن الأمر استمر على ماهو عليه طوال السنوات الماضية دون أدنى تحرك من الوزارات المعنية بالدولة، وعلى رأسها البرلمان، والخارجية، والداخلية، والتضامن، والتعليم العالي، والنقابات المهنية، لوقف تلك المهزلة، وكأننا نعيش في "سوق" وليس "دولة" يحكمها دستور وقانون.

وما يدعو للأسف، أن الأمر تحول في ظل صمت الدولة إلى "سبوبة" جني من ورائه القائمون على أمر تلك "الدكاكين" مبالغ طائلة، وتحول "اللقب" الذي يفنى الشخص المؤهل سنوات من عمره في البحث العلمي، أو العمل الدبلوماسي، أو القضائي من أجل الحصول عليه، إلى مسمى "تافه" يحصل عليها أي من الجهلاء ومعدومي الثقافة في مقابل مبلغ لا يتعدى الـ 500 جنيه، يتم دفعها لأي من أصحاب تلك "الدكاكين".

ولعل ما يدمي القلب في تلك القضية، أن الأمر استهوى وأسال لعاب الآلاف من لا حيثية لهم، فراحوا يلهثون وراء أصحاب تلك "الدكاكين المشبوهة" ودفع أموال، وتمويل احتفالات، في مقابل تكريمهم ومنحهم تلك الألقاب، وهو ما أدى بالتبعية في ظل تراخي الدولة، إلى انتشار إعلانات واحتفالات تلك المراكز والأكاديميات بشكل علني في عدد من الصحف والفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعى، والادعاء بـ "بجاحة" اعتماد شهاداتها من جامعات ومنظمات عالمية ودولية.

للأسف، أن "الإعلام المصري" يتحمل الوزر الأكبر في انتشار تلك "الآفة" بعد أن أتاح الفرصة للمئات من "معدومي الحيثية" الظهور عبر صفحاته وشاشاته، خلال السنوات الـ 8 الأخيرة كـ "أساتذة، ومستشارين، وخبراء، ونشطاء، وفقهاء" في كارثة شوهت الإعلام في ظل غياب المهنية بعد أن سبق تلك" الدكاكين" ومنح المئات ممن نزلوا إلى ميدان التحرير، أو انضموا إلى جمعيات "مشبوهة" دون وجه حق شهادات بـ "الثورية" وصلاحيات بـ "التنظير" وتوجيه الرأي العام وتقرير مصير الدولة.

أؤكد أن الأمر تعدى كل الحدود، وأن هناك اشمئزازا من الرأي العام تجاه كل هذه الكيانات والوجوه غير المؤهلة "شكلا أو موضوعا" وأنه قد آن الأوان أن يتحرك المجلس الأعلى للإعلام، والبرلمان، وأجهزة الدولة المختلفة للقضاء على تلك "الآفة" ووضع كل هؤلاء "التوافه" في أحجامهم الحقيقية، خاصة بعد أن ثبت استخدام العشرات منهم لتلك الشهادات والألقاب في عمليات نصب على المواطنين البسطاء.

فمن غير المعقول ترك المشهد في مصر العلم، والعلماء، والتاريخ، والسياسة، والثقافة، والفن كل هذه السنوات، ليتصدره "جهلاء ومدعون وأفاقون".. وكفى.
Advertisements
الجريدة الرسمية