رئيس التحرير
عصام كامل

الأشباح


لا أدري السبب وراء الهجمة غير المبررة، التي يقودها ويشارك فيها البعض "بجهل" للتشكيك في وطنية وانتماء "أهالي سيناء" على الرغم من حالة الصمود التي يعيشها أهالي محافظة الشمال، سواء أمام الهجمات الإرهابية التي تستهدفهم بشكل شبه يومي، أو حالة الطوارئ المفروضة على المحافظة بحكم الظروف الأمنية التي تمر بها، والتي انعكست بشكل مباشر على كل أوجه الحياة في المحافظة.


ولعل ما يدعوني للعجب من أمر المشككين، أن أغلبهم لا دراية لهم بما يدور على الأرض من معارك، أو ما يقدمه الشرفاء من أبناء المحافظة، أو حجم المعاناه التي يتحملونها، في الوقت لا يكلف فيه المشككين أنفسهم مجرد الرجوع إلى التاريخ، قبل الدخول على موقع التواصل الاجتماعي، وكتابة كلمات تافهة "تؤلم" وتحبط من عزيمة هؤلاء الصامدين.

إن التاريخ يا سادة، يؤكد أن مواقف أهالي سيناء الوطنية كانت وما زالت لا تقبل التشكيك، خاصة بعد حرب يونيو 1967، وتحديدا عندما قررت المخابرات المصرية الاستعانة بما يزيد على 1100 بطل من أبناء سيناء ومحافظات القناة، لإقامة منظمة فدائية، أطلق عليها في ذلك الحين اسم «منظمة سيناء العربية» والتي قام أبطالها بمئات العمليات خلف خطوط العدو، وكبدوا الإسرائيليين خلال حرب الاستنزاف خسائر رهيبة، جعلت قادة الجيش الإسرائيلى في حيرة من أمرهم، لدرجة أنه لقبهم بـ «الأشباح».

كما أدعو المشككين إلى العودة بالذاكرة إلى عام 1968، وتحديدا عندما حاول الإسرائيليون فصل "سيناء" عن مصر، وإعلانها أمام العالم "دولة مستقلة" من خلال عملية ضخمة قادها الموساد الإسرائيلى بدعم مباشر من مجلس الوزراء، حيث كان مخططا استقطاب عدد من أبناء سيناء وإغرائهم بشتي الطرق، في مقابل أن يظهر الاعتراف بالدولة الجديدة "رسميا" من خلال أبناء سيناء "أنفسهم".

وقع اختيار الإسرائيليين في ذلك الحين على المحامي السيناوي الوطني "محمد سعيد لطفي" لقيادة وإعلان الانفصال، استغلالا لمكانته الكبيرة في قلوب أبناء سيناء، والدور الذي كان يلعبه كقاض عرفي يتمتع بعلاقات طيبة مع كافة العوائل السيناوية.

وبدأ قيادات الموساد الإسرائيلى في ذلك الوقت، في تنفيذ العملية عن طريق "الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء" لتجنيد وإغراء «لطفي» ثم البدء في استغلال نفوذه في إقناع أهالي وشيوخ قبائل سيناء بفكرة الانفصال، في مقابل إعلانه "رئيسًا" للدولة الجديدة.

ولم يجد المحامى السيناوي الوطني حلًا أمام ضغوط الإسرائيليين، سوي التظاهر بالموافقة، والوعد بالاتصال بكل شيوخ سيناء وإقناعهم بالفكرة، إلا أنه لسوء حظ الإسرائيليين، أن اختيارهم جاء في غير محله، حيث كان «لطفى» في ذلك الوقت يعد من أبرز العناصر الوطنية بـ«منظمة سيناء العربية» وقام بتنفيذ العديد من العمليات المهمة والخطيرة خلف خطوطهم.

وهو ما دفع «لطفي» إلى الخروج من الاجتماع الأول معهم، والاتصال دون تردد بالمخابرات الحربية المصرية، التي أوفدت إليه على الفور "اللواء عادل فؤاد" مدير المخابرات الحربية، في مهمة سرية، التقى خلالها بالمحامى الوطني في منطقة جسر عمان بالأردن.

وبعد تجميع كافة المعلومات عن المؤامرة الإسرائيلية، تم تصعيد الأمر للرئيس جمال عبدالناصر، الذي أمر بمجاراة الإسرائيليين والتظاهر بالموافقة، على أن يكون الرد من خلال "رجال سيناء الشرفاء" لإحراج إسرائيل وكشف مؤامرتها أمام العالم.

وبعد أيام، أبلغ "لطفي" الإسرائيليين بنجاحه في حشد قيادات سيناء لإعلان "دولة سيناء مستقلة" وهو ما جعل الإسرائيليين يشعرون بالانتصار، وبدءوا على الفور، في الدعوة لمؤتمر ضخم بمنطقة «الحسنة» دعوا إليه العشرات من وسائل الإعلام العالمية، للإعلان عن "الدولة الجديدة" لدرجة أنهم جاءوا بالمخرج الإيطالي الشهير«مارسيليني» لتصوير المؤتمر وعرضه على العالم.

ويوم المؤتمر أقام الإسرائيليون سرادقا ضخما، يتصدره منصة ضخمة، جلس عليها الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء، وبجواره "الشيخ حسن بن خلف" ممثلا لشيوخ الشمال، و"الشيخ سالم الهرش" ممثلا لشيوخ الجنوب، و"محمد سعيد لطفي" ممثلا للحضر وأهل العريش، حيث بدأ المؤتمر بكلمة للحاكم العسكري الإسرائيلي، أعلن خلالها أنه تم عقد المؤتمر لإعلان سيناء دولة مستقلة بناء على رغبة أبنائها.

ثم أعطى الكلمة لشيوخ سيناء ليستكملوا السيناريو المتفق عليه، وإعلان استقلال سيناء بأنفسهم، إلا أن الشيوخ الثلاثة، فاجئوا العالم بإعلانهم "أن سيناء وأبناءها يشرفون بهويتهم المصرية، وأنه لن تستطيع قوة في العالم طمسها أو تغييرها".

ولم يجد الاسرائيليون أمام هول الصدمة، سوي الانتقام واعتقل الشيوخ الثلاثة، ووجهوا لهم تهما بتكوين خلايا مناهضة لإسرائيل، وتوصيل مساعدات وأموال للمجاهدين في سيناء بالتعاون مع المخابرات المصرية، وإعداد وتوزيع منشورات سرية، تحث أهالي سيناء على التمرد ضد الاحتلال.

وتم الحكم عليهم بالسجن مدى الحياة، إلا أنهم بعد فترة عادوا وقرروا الإفراج عنهم، خشية نفوذهم ونفوذ عائلاتهم داخل سيناء، وتم ترحيل «لطفي» إلى القاهرة عن طريق عمان، حيث عاش بها، حتى عاد إلى العريش في عام 1978.

للأسف، إن ما يدور في سيناء يا سادة حرب حقيقية بمعنى الكلمة، تمولها دول، ويتولى التخطيط لها أجهزة، ومن يشككون، عليهم العودة إلى خطاب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الذي ألقاه أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية في 6 ديسمبر 2017، والذي قال فيه علنا: "إن قادة تنظيم داعش الذين فروا من مدينة الرقة أصبحوا في سيناء، وأنه قد وكلت لهم مهام جديدة هناك".

رفقا بأهالي سيناء يا سادة، وكفاكم تنظير على مواقع التواصل الاجتماعي يزيد من آلامهم وأوجاعهم، وكفاهم ما هم فيه، فهذه هي حقيقية مواقفهم على مر التاريخ، وهذه حقيقة المؤامرة الكبرى على سيناء.. وكفى.
الجريدة الرسمية