رئيس التحرير
عصام كامل

الثانية على الجمهورية بالثانوية: «كنت بدفع 1800 جنيه كل شهر دروس خصوصية»

فيتو

بينما أنت تصعد للطابق الثاني بالعقار رقم ٦ الكائن بحارة حسن كامل في حي شبرا بالقاهرة، تصل إلى أذنيك أصداء زغاريد تتعالى كلما اقتربت من باب الشقة الذي يحمل لافتة ذهبية مكتوب عليها "الأستاذ حسن علي مدرس أول لغة إنجليزية"، لتتيقن أنك وصلت إلى بيت الثانية مكرر على الجمهورية في الثانوية العامة قسم الأدبي لهذا العام، فاليوم هو عيد هذا البيت الصغير الذي فقد ربه منذ خمس سنوات، فكانت الأم هي رب البيت والمسؤول الأول عنه.


وقع المفاجأة لم ينتهِ أثره بعد، مكالمات هاتفية تتوالى على الأم مباركات وتهاني لا حصر لها: "أنا عمري ما توقعت إن بنتي تكون من أوائل الجمهورية نهائي، كانت أقصى توقعاتي إنها تكون زي اختها الطبيبة وكانت الأولى على الإدارة فقط لكن مجموع ٤٠٨ ونصف كان فوق توقعاتنا لكنه كرم ربنا عليها وعوضه ليها بعد ما فقدت الأمل في أي شيء بوفاة والدها لأنه كان مثلها الأعلى وحببها في اللغة الإنجليزية، لدرجة إنها ناوية تدخل كلية الإعلام قسم إنجليزي علشان تمارس اللغة وتفكرها بوالدها دائما".

تجلس آلاء بجوار والدتها تقبلها بين الحين والآخر تنظر حولها، ها هي الغرفة التي شهدت ساعات من المذاكرة قد لا تتمكن هي من إحصائها حتى هذه اللحظة، كل ركن بها يشهد على ما كانت تفعله آلاء لتنال تلك الدرجة العلمية التي تستحقها وبجدارة، ففي الحائط المواجه للجالس في الزاوية اليسرى للغرفة، تتناثر عبارات تعود لحقبة تاريخية يدرسها طلاب الثانوية العامة في مادة التاريخ: "أنا بحب التاريخ جدا ومدرسي حببني فيها أكثر وحصلت على درع تكريم منه بسبب حصولي على الدرجات النهائية طوال العام معه"، تتحدث آلاء والشغف ملأ كلماتها لكنها ما زالت لا تصدق أنها ضمن أوائل الجمهورية.

الأب الغائب حاضر بينهم رغم رحيله منذ سنوات عدة، سيرته وما تركه في نفس آلاء طغى بقوة على المشهد، فحلم آلاء بالالتحاق بكلية الإعلام يبدو أنه لن يكلل بالتحقق إلا إذا كانت اللغة الإنجليزية والأثر الذي تركه الأب حاضرا معه، تقول آلاء: "أنا نفسي أعمل حاجة للمجتمع وهدخل كلية الإعلام علشان أكون أداة مساعدة في القضاء على ظاهرتي خطف الأطفال وأطفال الشوارع، لكن أنا بحب اللغة الإنجليزية بسبب بابا هو فضل يدرسني إنجليزي بحب لحد ما توفي وأنا في أولى إعدادي فتعلقت بها زي ما تعلقت به".

كان للأم القسط الأكبر والدور الأقوى خلال هذا العام المليء بالضغوط النفسية الشديدة، فالسيدة سحر التي تركت عملها كإخصائية بإحدى المدارس من أجل التفرغ لتربية بنتيها دعاء وآلاء، كانت الحافز النفسي القوى وراء ما توصلت إليه آلاء: "أنا مكنتش بجبرها تذاكر وكنت بقول لها لو مش عايزة متذاكريش أنا واثقة فيكِ وهتتفوقي"، بالرغم من المبالغ الطائلة التي دفعتها الأم والتي وصلت إلى أكثر من ٢٢ ألف جنيه تكلفة الدروس الخصوصية والكتب الخارجية وما إلى ذلك خلال العام، لم يكن هذا الجانب المادي دافعا للأم لتضغط على ابنتها لتذاكر بقوة حتى لا تذهب تلك الأموال هباءً ودون فائدة: "رغم التوتر اللي عيشتنا فيه آلاء لكن ربنا كرمنا وتعبنا وقلقنا مراحش، أنا نفسي تحقق حلمها وحلم أبوها من قبل أنها تفضل تمارس اللغة الإنجليزية طوال حياتها".
الجريدة الرسمية