رئيس التحرير
عصام كامل

تخاريف بين النوم واليقظة


مثل شعبى كثيرا نردده، ولا نعرف حقيقته "تروح فين يا صعلوك بين الملوك" مثل شعبى ساخر، نستخدمه كثيرا للتندر، والحقيقة أن له خلفية تاريخية وارتباطها بحادثة تاريخية أثرت في مصر كثيرا..

 لا أعرف لماذا تذكرتها عندما بدأت أفكر في كتابة المقال الاسبوعى، الصعلوك المقصود في المثل هو "الشيخ زعلوك" الذي كان موظفا للحسابات لدى أحد مماليك ضحايا مذبحة القلعة سنة 1811، وقد قتل بالخطأ في المذبحة مع المملوك الذي كان يعمل لديه.

 بعد انتهاء المعركة وإبادة المماليك قام أحد الأمراء بحصر القتلى وبتدوين أسمائهم، تفاجأ بجثمان الشيخ زعلوك بينهم، فرفع الأمر إلى "محمد على" الذي منح على الفور لورثة الشيخ "زعلوك" المواشى ومئات الأفدنة ناحية دسوق تعويضا لمصابهم في الشيخ..

ردد الأهالي قصته بمقولة "تروح فين يا زعلوك بين الملوك"، ثم حرفت إلى "تروح فين يا صعلوك بين الملوك" هذه القصة ليست خيالا، ولكنها من تاريخنا الجنائى في الشارع السياسي.

ومن تاريخنا الجنائى وجدت عم "فؤاد حداد" الشاعر مسحراتى الوطن وإمام شعراء مصر في القرن العشرين، وكأنه يقف على بابى، يدق الباب، بيده الرقيقة، وبصوت الشيخ "سيد مكاوى"، نعم.. "فؤاد حداد" بصوت الشيخ "سيد مكاوى"، يهتف وكأنه صوت قادم من السماء يقول:

اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم
وقول نويت بكرة إن حييت
الشهر صايم والفجر قايم
اصحى يا نايم وحد الرزاق... رمضان كريم

مسحراتي على طريقة.. منقراتي ورا الحقيقة
ستين دقيقة في كل ساعة
ماهيش براعة لو فن دام
في كل كلمة من الكلام.. اصحى يا نايم.. وحد الرزاق
رمضان كريم

أي رمضان الذي جاء عم "فؤاد" والشيخ "سيد" يذكرانى به؟ رمضان مضى ولم نسمع فيه صوت مسحراتى ولا غيره، يقول الشيخ "سيد":
في كلمة من الكلام.. حضنت حزمة شديت حزام
يطرح زماني بلح سماني.. من الامانى عالى عليا
ولجل انى يدوم شبابى.. ينقص منابى من السنابل
لكن ماناب الامل تمام

حضنت حزمة شديت حزام
ومشيت بهمة إلى الأمام
والمشي طاب لي والدق على طبلي
ناس كانوا قبلي قالوا في الامثال
الرجل تدب مطرح ماتحب

وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال
وكل شبر وحته من بلدي حته من كبدي حته من موال
اصحى يانايم اصحى يانايم
اصحى وحد الدايم
اصحى يا نايم يا نايم اصحى

يبدو أن حرارة الجو جعلتنى أتخيل اشياء غريبة، أتخيل صوت وشعر المسحراتى وكلام عم "فؤاد حداد"، المشكلة انصرافه لم يجعلنى أشعر باليقظة أو التحرر من الاحلام، عم "صلاح جاهين" اخترق أحلامى وقال بصوته وبرنين قلبه:

أنا شاب لكن عمري ألف عام
وحيد لكن بين ضلوعي زحام
خايف ولكن خوفي مني أنا
أخرس ولكن قلبي مليان كلام... عجبي

ويقول عم "صلاح":
ياما صادفت صحاب وما صاحبتهمش
وكاسات خمور وشراب وما شربتهمش
أندم على الفرص اللي أنا سبتهم
والا على الفرص اللي ما سبتهمش.. عجبي

ولم أكمل يقظتى إلا وأسمع صوت "كرم مطاوع" بكلمات الشاعر الكبير "عبدالرحمن الشرقاوى" من مسرحيته العبقرية "الحسين شهيدا" ليقول "الحسين":

فلتذكرونى حين يختلط المزيف بالشريف
فلتذكرونى حين تشتبه الحقيقة بالخيال
فلتذكرونى في الدموع
فلتذكرونى حين يستقوى الوضيع
فلتذكرونى حين تغشى الدين صيحات البطون!

لا أعرف حقيقة ماذا حدث عندما كان أول خبر صباح الجمعة هو رفع أسعار المحروقات، والدجل الذي روجه الإعلام، والذي يصر على أن ماحدث حماية لمحدودى الدخل، ولا أعرف عندما تشتعل الأسعار كيف يكون حماية المواطن البسيط؟ كيف عندما ترفع الدولة يدها تماما عن الأسواق والبيع والشراء وكل شىء تحمى المواطن؟ بل إنها تركته في عرض الطريق للمستغلين والحرامية!

أعود للشاعر الكبير "صلاح جاهين":
والكون ده كيف موجود من غير حدود
وفيه عقارب ليه وتعابين ودود؟
عالم مجرب فات وقال سلامات
ده ياما فيه سؤالات من غير ردود.. عجبي

مصر يا سادة، لم ولن تكون سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، مصر التاريخ والحضارة، مصر التي جاءت وجاء التاريخ بعدها، مصر تعطى للجميع، لا لأحد فضل عليها، ولكن فضلها على الجميع!

وتحيا مصر بعرق بسطاء الوطن، الذين يعطون بلا مقابل أو تقدير.

الجريدة الرسمية