رئيس التحرير
عصام كامل

المنشاوى.. «خمسون عاما من الخلود».. ٣ أجيال تتحدث عن صاحب الصوت الخاشع.."الطبلاوي": كان يقرأ القرآن من قلبه.. نعينع: أهب لروحه ورد يومي.. عامر: المنشاوى سكن قلبى ووجدانى

الشيخ محمد صديق المنشاوي
الشيخ محمد صديق المنشاوي

50 عاما مرت على رحيل الشيخ محمد صديق المنشاوي، ذلك «الصوت الباكى» الذي لا يجاريهِ أحدٌ في موهبتِه وخشوعِه وحسنِ تلاوتِه، فعلى الرغمَ من مرورِ نصفِ قرنٍ من الزمانِ على وفاتِه، فإن تسجيلاته ما زالت تُذاعُ على مدارِ الساعةِ في الإذاعةِ المصريةِ والفضائياتِ القرآنيةِ، ولمَ لا وقد قال عنه الشيخ الشعراوى حينما سئل عن صوته: “من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت «المنشاوي»”.


تميزت مدرسة المنشاوى عن غيرها بعذوبة الأداء وخشوعه في القراءة، وانفعاله بجلال القرآن ورهبته، وإجادة المقامات، لا سيما مقام «النهاوند» الذي أبهر المستمعين حتى لُقِّبَ بصاحب «الصوت الباكي».

ولد الشيخ المنشاوى بمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج عام 1920 وأصبح من أشهر أعلام المدرسة “المنشاوية” بلْ زعيم تلك المدرسة الموصوفةُ بـ “بيتِ القرآن” وقد أتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة من عمره، وتعلم أحكام التلاوة وعلوم القراءات على يد الشيخين: محمد السعودى ومحمد أبوالعلا اللذين لم يجدا عناء في تعليمه، حيث كان موهوبا، ولديه مواصفات القارئ النابغ، كما كان شديد التواضع، وعلى الرغم من أنه لمْ يعش طويلا إلا أن صوته سيظل مشرقا بنور القرآن الكريم يصل الأرض بالسماء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حيث توفى في 20 يونيو 1969 عن عمر ناهز 49 عاما، وكرمته مصر في احتفال ليلة القدر عام 1992 ومُنح لروحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

من جانبها حرصت «فيتو» على التواصل مع أعلام التلاوة من القراء القدامى والجدد للحديث عن ذكرياتهم مع الشيخ المنشاوى في ذكرى مرور نصف قرن على رحيله.. وكانت البداية مع الشيخ محمد محمود الطبلاوي، نقيب القراء الذي قال:” حينما يقرأ الشيخ المنشاوى تسمع منه تلاوة ونغمة حزينة يميل إليها كل إنسان لديه تقوى وإيمان، ونادرا ما يجود الزمان بمثله مرة أخرى فالشيخ محمد لا يختلف عليه اثنان، فكان يقرأ كتاب الله من قلبه ولذلك وصل إلى قلوب الملايين حول العالم”.

وعن مدرسته القرآنية قال “الطبلاوي” :”كانت تَميل إلى الخُشوع والحزن، كان مبدعًا ترتيلا وتجويدا، كان مدرسة غير مسبوقة في التلاوة، بل يمكن وصفه بأنه كان آية من آيات الله في كونه، وعلى المستوى الشخصى التقيت الشيخ محمد صديق المنشاوى أكثر من مرة؛ وكان إنسانا ودودا وقريبا من الكل، وحريصا على التواصل مع كُل القراء، وكنت أَسعد دائما في سفرى مع الشيخين المنشاوى وعبد الباسط عبد الصمد فكانا من أَعز أصدقائى وربنا يرحم الجميع”.

من جانبه.. يحكى الدكتور أحمد نعينع، قارئ الرؤساء، عن ذكرياته مع قراء الجيل الذهبى ومنهم الشيخ محمد صديق المنشاوى حيث يقول:” كنت من عشاق الشيخ مصطفى إسماعيل وفى أحد الأيام من عام 1968 انتظرت مجيئه للتلاوة في مسجد المرسي أبو العباس.. فإذا بى أتفاجأ بالشيخ “المنشاوي” هو الذي سيقرأ قرآن السهرة فقدمنى الحضور لأتلو ما تيسر من كتاب الله قبل الشيخ، فقال لى بعدما انتهيت: “خُد يا واد تعالى هنا انت بتقرأ بالقراءات وسنك لسه صغير كده؟ فقلت له: أنا بتعلم على يد الشيخة “أم السعد” وسألنى أكثر من سؤال وأجبت عليها فاعتبر قراءاتى جيدة، وأصبح هناك ود قلبى كبير منذ تلك اللحظة، وطلبت منه أن يرسل لى صورة شخصية بعد سفره، وبالفعل أرسلها لى ومازلت أحتفظ بها”، ويضيف “نعينع”: “رأيت الشيخ المنشاوى مرتين وهو يقرأ في قرية بجوارنا، وأصبحنا نتبادل للاطمئنان إلى أن فوجئت بخبر وفاته شهر يونيو عام 1969 وأذاعت محطة القرآن الكريم تلاوات للشيخ رحمة الله عليه في ذلك اليوم.. ودائما ما أدعو للشيخ، وأخصص وردا قرآنيا “جزء يوميا” أهبه لروحه مع أحبابى والدى ووالدتي”.

ويصف القارئ الشاب الشيخ ممدوح عامر، معلمه وأستاذه الشيخ محمد صديق المنشاوى قائلا: “تتلمذت على يديه ولم أره؛ لأن الوالد اشترى لى المصحف المرتل كاملا بصوته، وكان الشيخ يحفظنى اللوح ثم أسمعه على الشرائط بصوت المنشاوى الذي سكن في قلبى وعقلى ووجدانى، وبدأت أطلب من ربنا في صلاتى أن يترك فىّ شيئا من صوته، أو حتى أراه في المنام وإلى الآن هو مثلى الأعلى، وله قدر كبير وعظيم عندي، وتأثرت أيضا بشخصيته من خلال استماعى للأحاديث الإذاعية والتليفزيونية والصحفية على أساس الاستفادة من هذا الرجل، وكنت حريصا عندما أزور قريته أن أسأل الناس عنه، وقمت بزيارة منزله وقبره، وحينما دخلت إلى المكان الموجود فيه الشيخ المنشاوى انتابتنى لحظات إيمانية كبيرة جدا، فقد تعلمت منه الكثير، وأرى أن هناك تشابها كبيرا بينى وبينه”.

ويضيف “عامر”: حينما اقرأ بمدرسة الشيخ أشعر بارتياح نفسى ومتعة، وأنى أكثر اتصالا وقربا من الله سبحانه وتعالى والملائكة.

أما عن إحياء عائلة المنشاوى لتلك الذكرى، فتكون من المصحف المرتل وقراءة الفاتحة والدعاء.. وهو ما أكده الشيخ صديق المنشاوى الصغير حفيد المنشاوى الأكبر قائلا: “في كل عام يكون هناك مصحف مرتل، ونقرأ الفاتحة على روحه يوم 20 يونيو، متابعا: “كفاية دعوات الناس والمحبين له في كل مكان، وحضور الذكرى يقتصر على العائلة والمشايخ من حفظة القرآن الكريم”.

وعن وصاياه لأحفاده أجاب: “كان الشيخ محمد صديق –رحمة الله عليه- دائما ما يوصى نفسه وأولاده وأحفاده بكتاب الله وسنة رسوله ويتلو عليهم قول الحق سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)”.

السيد صالح: القارئ الراحل جمع بين الإتقان وروعة الصوت
يرى المذيع بإذاعة القرآن الكريم السيد صالح أن الشيخ محمد صديق المنشاوى علامة بارزة في تاريخ القراء المصريين، فبعد الشيخ محمد رفعت يأتى جيل الشيخ المنشاوى وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود على البنا وكامل يوسف البهتيمي، وهؤلاء يمثلون محطة مهمة جدا في تاريخ القراء المصريين، ويضيف صالح لـ«فيتو» أن الشيخ المنشاوى يعتبر صاحب مدرسة متميزة في التجويد والترتيل، يتميز بالخشوع وله جمهوره في كل مكان في أرجاء المعمورة، ويتابع الإذاعى الكبير أنه إذا كان الشيخ الحصرى يمثل الإتقان، فإن الشيخ محمد صديق المنشاوى يمثل الإتقان ويزيد عليه في الخشوع، لافتا إلى أن الشيخ المنشاوى من أوائل القراء الذين حفروا لمصر تاريخا في العالم الخارجي، فقد قرأ أمام الملوك والرؤساء في الدول العربية والإسلامية، وله تسجيلات مهمة جدا في ليبيا وسوريا والعراق بدعوات خاصة من ملوك ورؤساء هذه الدول.

أهم ما يميز الشيخ المنشاوى من وجهة نظر السيد صالح أنه ينتمى إلى عائلة قرآنية، فوالده الشيخ صديق المنشاوى كان من كبار القراء وإن لم يكن له تسجيلات في الإذاعة، ولكن الشيخ محمد صديق المنشاوى من القراء الذين سعت إليهم الإذاعة لشهرته، ليتم اعتماده في الإذاعة المصرية، فهو له طريقة خاصة به ولا يقلد أحدا، فعندما نفتح الراديو أو المذياع نعرف أن المنشاوى هو الذي يقرأ، حيث يتميز أداؤه بالسهل الممتنع، فعندما يسمعه أحد القراء العاديين يرى أن أسلوبه بسيط وعادي، لكن عندما يعلق عليه المتخصصون والموسيقيون يدركون أهمية هذا الرجل.

يؤكد صالح أنه خلال فترات إذاعة تلاوات المنشاوى تحظى إذاعة القرآن الكريم بنسبة استماع عالية، رغم جودة المصاحف المرتلة للشيوخ الآخرين مثل الشيخ الحصرى والشيخ عبد الباسط والشيخ مصطفى إسماعيل وغيرهم، لكن المنشاوى يتميز بنسبة استماع عالية سواء في المصحف المرتل أو في المصحف المجود، واختتم الإذاعى الكبير حديثه بأن أهم ما يميز هذا الجيل من الشيوخ الكبار هو أن كل واحد فيهم يمثل مدرسة خاصة بذاته، وهى النقطة التي نفتقدها الآن، فمعظم القراء الحاليين إن لم يكن كلهم يعتبرون أصواتا مقلدة، فلا يوجد قارئ الآن اتخذ أو ابتدع لنفسه مدرسة، فبعد جيل الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى والشيخ محمد الصيفى يأتى جيل محمد المنشاوى وعبد الباسط والبنا ومصطفى إسماعيل، وهؤلاء جعلوا لأنفسهم مدارس مميزة في قراءة القرآن الكريم، فهم يقلَدون ولا يقلِدون.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية