رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل "فَتاوى" الجمعية العمومية للفتوى والتشريع ملزمة؟


في إطار تعيين الاختصاص القضائي لمجلس الدولة بوصفه قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية، عهد المشرع إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع اختصاص نظر النزاعات بين الجهات الإدارية والفصل فيها برأى ملزم، وهذا الاختصاص ولائــي، أو مــا يعـرف بالاختصاص المحجـوز، أو الاختصاص الحصري



والمشرع اختص الجمعية العمومية وحدها ودون سواها ولاية الفصل في الأنزعة بين الجهات الإدارية دون مشاركة من جهات القضاء الأخرى، لأنها أنزعة ذات طبيعة خاصة مقدرة بخصوصية الطبيعة القانونية للمتنازعين، تلك الطبيعة التي تأبى عرض تلك الأنزعة على جهات القضاء المختلفة لوحدة الشخص القانوني للمتنازعين المنسوب انتهاءً إلى الشخصية القانونية للدولة في مثل تلك الأنزعة، الأمر الذي ينحصر معه الاختصاص الولائي للجمعية على محض تلك التي تثور بين الجهات الإدارية المنصوص عليها في المادة ٦٦/ د من قانون مجلس الدولة فحسب.

وتفصل الجمعية العمومية في النزاع برأي ملزم للجانبين حسمًا لأوجه النزاع، ولم يعط المشرع لجهة ما حق التعقيب على ما تنتهي إليه، وتستنفد ولايتها بإصداره ولا يجوز معاودة طرحه مرة أخرى، حتى لا يتجدد النزاع إلى ما لا نهاية، ووجوب انصياع الجهات الإدارية إلى تنفيذ رأي الجمعية وعدم مخالفته أو الامتناع عن تنفيذه.


كما أن الجمعية العمومية صاحبة ولاية الفصل في كافة منازعات الجهات الإدارية، واختصاصها وهو نظام بديل للاختصاص القضائي المنوط بالمحاكم حيث للنأي بهذه المنازعات عن اختصاص القضاء، لتحسم بالرأي الذي تصدره الجمعية العمومية فيها، تنزيهًا للجهات الإدارية من اللدد في الخصومة الذي غالبًا ما يصاحب منازعات الأفراد أمام المحاكم، إلى جانب السرعة في حسم النزاع بين هذه الجهات، لكونها تقوم على رعاية مصالح عامة من شأنها أن تتأثر بطول إجراءات التقاضي.

والقول بغير ذلك ينطوي على التفاف على قواعد الاختصاص وإفراغ النص الذي وسد ولاية الفصل في المنازعات بين الجهات الإدارية للجمعية العمومية من مضمونه، وإهدار فلسفة التشريع التي تغياها المشرع من إسناد ذلك الاختصاص للجمعية، فضلًا عن عدم شغل جهات القضاء بمنازعات تنشأ بين ممثلين مختلفين لشخص واحد وهو الدولة، وبالتالي استبعد المشرع الدعوى كوسيلة للمطالبة بالحق بين الجهات الإدارية - وهي تقابل الخصومة القضائية - واستبدل بها عرض المطالبات فيما بين هذه الجهات على الجمعية العمومية للفصل فيها برأي ملزم، على ما سلف بيانه.


والاختصاص المنوط بالجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بنظر المنازعات الإدارية بين الجهات الإدارية إنما يستند إلى الأسس والمبادئ الآتية:

أولًا: أن الاختصاص المعقود للجمعية العمومية محجوز لها ووقوفًا عليها، لا يشاركها فيه جهات القضاء المختلفة، نزولًا على إرادة المشرع، فالأخير وحده له مكنة تحديد الاختصاص الولائي بالمنازعات وليس لغيره - كائنًا من يكون - أن يتفق على خلاف ذلك، سواء بنزع قدر مما اختصت به الجمعية العمومية في هذا الشأن، أو إضافة قدر آخر خلاف لما اختصت به.

ثانيًا: إن الاختصاص الولائي للجمعية العمومية، إنما هو اختصاص متعلق بالنظام العام غير جائر الاتفاق على مخالفته، فإن وقع هذا الاتفاق كان باطلًا فلا تصححه إجازة ولا يرد عليه قبول.

ثالثًا: إلزامية وحتمية ولوج الجهات الإدارية التي عناها المشرع في المادة ٦٦/ د من قانون مجلس الدولة إلى الجمعية العمومية فيما يثور بينها من أنزعة، حسمًا لها برأي ملزم للجانبين، وذلك بديلًا عن الدعوى كوسيلة للمطالبة بالحق بين الجهات الإدارية.

وعن الاتجاه الآخر وقوامه أن الجمعية العمومية لا تعد من جهات القضاء أو الجهات ذات الاختصاص القضائي، وبالتالي لا يعد اللجوء إليها بديلًا عن إقامة الدعوى القضائية كوسيلة لحماية الحقوق وفض المنازعات.

فمن من المقطوع به، أن الجمعية العمومية ليست من جهات القضاء، والمشرع لم يسبغ عليها ولاية القضاء في المنازعات التي تقوم بين فروع السلطة التنفيذية وهيئاتها، فالجمعية العمومية بحكم ما وسد لها من اختصاص وبحسب طبيعتها وطريقة تشكيلها من شيوخ قضاة مجلس الدولة ممن لهم خبرة وباع طويل في مجال العمل القضائي، ووسائل اتصالها بالمنازعات، وما يصدر عنها من رأي ملزم بمناسبة ما يعرض عليها من منازعات، لا تتبع الإجراءات التي رسمها قانون المرافعات، وأنه على الرغم من ذلك، فإن المشرع اختصها بنظر تلك المنازعات.

ويأتي ذلك من منطلق اعتبارات مؤسسية، تجمل في أن الجهات الإدارية فروع للسلطة التنفيذية وتنتمي إلى شخص عام واحد، وأخرى قانونية وعملية، إذ من غير المتصور أن الشخص القانوني الواحد يقاضى نفسه من خلال فرعين له، فضلًا عن حسم النزاعات سريعًا عملًا بمبدأ حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد، حيث يتأبى عرض تلك الأنزعة على جهات القضاء المختلفة وتجنب مضيعة الوقت والجهد والمال في منازعات لا طائل من ورائها وتأكيدًا على حسن سير الإدارة الحكومية، في إطار السياسة العامة للدولة، وهي اعتبارات تسمو على ما عداها.. وللحديث بقية.


Advertisements
الجريدة الرسمية