رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كوميديا الطلاق في مصر


خلال ٢٠ سنة مضت، عرفت مصر عبر محاكمها، حالات مختلفة من الطلاق، بدا كثير منها مؤخرًا، كوميديًّا مستندًا لأسباب تضرب قدسية الزواج نفسه، وسط تجاهل المشرع للأزمة وامتناع الحكومة عن تقديم مشروع قانون جديد يعيد الاتزان والاستقرار للأسرة والمجتمع.


بحسب عقود الزواج، وهى شريعة المتعاقدين المغيبة، يكون الطلاق لمن بيده العصمة بالعقد، وبموجب القانون الحالي ينتزع المشرع العصمة ممن بيده فيضعها بيد القاضي؛ ليجوز للأخير التطليق للضرر أو مخالعة، بعد حزمة إجراءات مؤثرة بالضرورة في الحكم، وربما في تقديم صورة واضحة تتفق "دستوريًًّا"، وبنود عقد الزواج و"شرعيا" وحقوق طرفيه.

التطليق للضرر، ربما تشهد إجراءاته ما يعزز صراعًا، ويخلق مساحة من محاولات التدليس على القاضي نفسه باختلاق وقائع، واصطناع شهود غير مؤثرين في العلاقة الزوجية بغير السلب، بعضهم لا تتعجب أن صور زفاف جمعته بالزوجين في حفل عرسهما قبل أن يخالف ضميره وينحاز زورًا لأحدهما، بينما قضايا موازية مختلقة ومفتعلة تمنع عودة المياه إلى مجاريها زادت "الضرر" على الزوجين والأطفال، فيما يقف القاضي منفذًا للقانون، ملتزمًا بما لديه من أوراق ومستندات يطمئن إليها قبل النطق بحكمه.

أما التطليق مخالعة، فكافة أطراف التقاضي يصورونه أسهل وأسرع؛ يكفي معه أن تذكر الزوجة أنها "تخشى ألا تقيم حدود الله"؛ حتى لو منحها زوجها فص كبده أو كليته؛ ليحكم لها القاضي بالتطليق بعد ردها مقدم مهرها، ويحق للزوج الطعن بصوريته، بينما تقف وراء تلك العبارة المتكررة بصحف دعاوى كافة محامي "الخلع"، أسبابٌ قد يحتفظ بها طرفا العلاقة الزوجية بعيدًا عن القضاة، وتقارير الخبراء النفسيين والحكمين غير المنتمين لأهلية كل منهما، حتى إنَّ عُرفًا سائدًا بين المترددين على محاكم الأسرة يقول إن طالبة التطليق مخالعة "هاتتطلق يعني هاتتطلق"، وبعضهن لا يتوقع سهولة روتينية الإجراءات دون نظر تفاصيل أدق بموضوع الدعوى.

قليلٌ من القضاة قد يتطوع ليحاول التوفيق بين طالبة المخالعة وزوجها، وقليل من الأزواج يقبلون انعقاد الخصومة بحضورهم شخصيًّا وتفنيد أسباب الزوجات، الواهية أحيانًا، وطلب تراجعهن عن موقفهن المهدد للأسرة، وبعضهن سعين للتطليق تقليدًا لموضة انتشرت بين صديقاتهن وعائلاتهن تصور خراب البيوت على أنه "حرية للنساء".

أسباب التطليق مخالعة، بعيدًا عن مناقشة هذا الحق الممنوح للزوجة بتشريع يفنده معارضوه بأنه مخالف للشريعة لما يحمل من سلب الزوج عصمته، به من المبررات الكوميدية، ما تنشره الصحف تباعًا، وتناقشه برامج فضائيات كنوع من "الفرفشة والتطرية" على مشاهديها، كأن تختلع الزوجة وتفتدي نفسها لأن زوجها "توقف عن الانحراف.. زعل الكلب بتاعها.. لا يعرف لغة أجنبية مثلها.. لا يقبلها بطريقة ترضاها.. لا يضع شرابه في الغسالة بعد استعماله.. إلخ".

بعض المختلعات لسن من المرفَّهات لهذه الدرجة التي تسمح لهن بتضييع استقرار واستقامة حياتهن، وترى زوجات المخالعة أقصر الطرق للحصول على الطلاق من زوج متعنت، وهنا تقف حقوقهن رهن تنازل تتباهى به متاجرات بالتطليق مخالعة كتضحية وخسارة، ولو أن تسوية الأمور المادية انتهت أمام القاضي بحسب قانون يتطابق والشريعة والدستور المحترمين لعقد الزواج، لكان القاضي موجِّهًا للزوج بالتطليق ليكون هنا مطابقًا للإبراء؛ وحال رفض الأخير يطلقها القاضي منه للضرر مع احتفاظه لها بكافة حقوقها الشرعية؛ درءًا للفتنة والمفسدة؛ وهو رأي لابد وأن يلتفت له المشرع لإنقاذ كثير من البيوت وصون العديد من الحقوق للطرفين.

محاكم الأسرة عرفت مؤخرًا ظاهرة تطليق زوجات على فراش أزواجهن، عبر إجراءات تقاضٍ لا تنعقد بها الخصومة بين الطرفين، تتم دون علم أو حضور الأزواج واستردادهم مهورهم الحقيقية وهباتهم، وهى طريقة تطليق وجهت إجراءات أكثر من نصف الدعاوى بعدد من الدوائر بحسب تقديرات معلنة، تستند إلى قصور في المواد من ٩ إلى ١٣ بقانون المرافعات الذي طالب فقهاء بتعديله عند إقرار قانون تعديل إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم ١ لسنة ٢٠٠٠ المعروف إعلاميًّا بـ "قانون الخلع".

ويتيح القصور في قانون المرافعات لمختلعات رد مقدم المهر "جنيهًا واحدًا على الأغلب"، دون رد هبات يحق للأزواج بحسب المادة ٥٠٢ من القانون المدني استعادتها من زوجاتهم خلال فترة العلاقة الزوجية فقط؛ باعتبارها مهرًا إضافيًّا أو مزية لم تحصل عليها المرأة إلا لكونها زوجة للرجل، وهو سر تفشي ظاهرة تطليق زوجات بإجراءات تقاضي وجهها محضرون بإعلانات إدارية يسمونها "إعلان أمريكاني".

تلك الآلية في التقاضي لا تطعن فقط في مشروعية التطليق مخالعة، وتهدد قدسية الزواج بتطليق نساء لا يزلن على فراش الزوجية، لكنها تهدد شرعية إجراءات التقاضي ذاتها، وتطعن على أحكام "نهائية" لمخالفتها النظام العام وفقط، رغم أن مخالفة أكبر قد يرتكبها شركاء أساسيون في إجراءات التقاضي، وهم "المحضرون" حاملو إعلانات الدعوى.

فمهمة المحضر، حال ذكره سبب عدم وصوله بالإعلان للزوج، تنحصر في إيداع صورة الإعلان لدى مأمور قسم شرطة دائرة سكنه؛ ليقيد بدفتر اليومية مع توقيع المأمور أو من ينوب عنه بالاستلام، لكن محامين يعتبرون تلك الآلية التي لا يعلم معها الرجل بالدعوى "أمرًا عاديًّا"، لا يغير في نتيجة الحكم بالتطليق شيئًا؛ رغم أنه يضر بالحقوق المادية للرجال.

ويمتنع المتناطحون على الفضائيات عن إبداء مشورتهم القانونية الكاملة، حول حقيقة أن تزوير توقيع موظف عام في محررات رسمية، جريمة عقوبتها السجن أو السجن المشدد بحسب المادتين ٢١١ و٢١٣ من قانون العقوبات، بما فيها من فعل مادى ومعنوي، لكننا لم نرصد واحدًا من "المحضرين" بمحاكم الأسرة قضى عقوبة السجن من ٣ إلى ١٥ سنة عن جريمة كهذه بمحررات دعاوى التطليق، ورغم أن هدم قدسية العلاقات الزوجية لا يقل خطرًا عن جرائم النفس وتهديد الأمن العام، إلا أنها لا تمثل واقعيًّا هنا أكثر من "مخالفة إدارية معتادة"، تحفظ التحقيقات فيها على الأغلب، بينما يظل المجتمع متسائلًا: "هل تطليق المختلعة بإعلانات أمريكاني صحيح شرعًا وقانونًا أم لا؟".

هذا التساؤل الناتج عن أحكام بُنيت على تلك الإجراءات، أسهم بشكل كبير في ظهور توجه مجتمعي ذكوري نحو تفضيل الزواج من مطلقة للضرر أو على الإبراء أو بالتراضي عند مأذون، عن الزواج من المختلعة عمومًا والمختلعة بإعلانات "أمريكاني"، على وجه الخصوص، ومعه ظهرت شريحة تبتز المختلعات بطلب الزواج منهن سرا، مع التشكيك في إمكانية قبولهن مجددًا عضوات بمنظومة زواج أكثر اتزانا وعدلًا.

تزايد معدلات الطلاق في مصر، وتكدس محاكم الأسرة بمئات الآلاف من المتقاضين، وتعدد دعاوى الزوجات والأزواج طلبا للتطليق أو ردًّا له؛ ينذر بمستقبل أشد خطرًا على العلاقات المجتمعية المتدهورة بفعل صراعات عائلية ثأرية مستحدثة، ولا يمكن القبول بهذا الوضع السيىء دون تدخل تشريعي عاجل.

ربما بين الحلول المطروحة، جعل الحصول على رخصة قيادة منظومة الزواج شرطًا لبناء بيوت جديدة، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي فرضًا على الراغبين في العودة للتجربة، وإبعاد طرفي الزواج عن المحاكم بتقديم رؤية تحرير عقود الزواج من الأعراف والمذاهب الفقهية، وقصر دور موثقها ممثل الدولة على حماية حقوق الطفل مستقبلا، واللجوء إلى القضاء المدنى في فض النزاعات، وإلغاء نظام محاكم الأسرة بقانونها الخاص، وسن قانون موحد للأحوال الشخصية والأسرة يساوي بين مواطني الدولة دون تمييز، وقتها، ربما تتغير الأوضاع الأسرية ونتحدث عن المستقبل المشترك بعيدًا عن واقع المضحكات المبكيات من تفاصيل داخل وخارج محاكم، تريد مجالس ومنظمات نسوية حصر مراجعتها في إنجاز مكتسبات لطرف على حساب آخر بالمخالفة لمنطق العدل.. لننتظر.
Advertisements
الجريدة الرسمية