رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عقيدة "تشويه القدوة"


للأسف، منذ عهود طويلة، ترسخ لدى المصريين "عقيدة" غريبة تسمى بعقيدة "تشويه القدوة" أصبحنا نمارسها بمهارة وتلذذ، لدرجة أنه لم يأت لدينا زعيم أو رمز مصرى واحد على مر التاريخ، لم نطلق عليه سهام النقد والتشويه دون هدف، ولدرجة وصلت إلى حد أننا حولنا كل حكامنا ورموزنا في شتى المجالات إلى "خونة وعملاء ولصوص" في هوية غريبة لم يُجدها شعب على وجه الأرض سوانا.


ولعل المحزن في الأمر، أن سهام النقد والتشويه غالبا ما تخرج من ساسة ورجال تقلدوا مناصب مرموقة، وعملوا في أروقة الحكم والسياسة لسنوات، ويدركون جيدا أن "الحاكم" خلال وجوده في موقع المسئولية، دائما ما يراعى في قراراته أبعادا قد لا تتضح لرجل الشارع العادى، منها "الأمن القومى، والظروف الاقتصادية، والعلاقات الخارجية"، وأن الأمانة تفرض علينا وضع جميع تلك الضغوط في اعتبارنا قبل توجيه سهام النقد والتشويه.

ولعل ما يدعو للأسف، أن تلك العقيدة جعلتنا طبقا لما هو ثابت في النقوش الفرعونية القديمة، ُنقدم على تشويه كل إنجازات الحاكم الذي يرحل، وسرنا على ذات النهج على مر التاريخ، لدرجة أنه لم يسلم منا حاكم منذ العصور القديمة، مرورا بأسرة محمد على، وانتهاء بالرؤساء "نجيب وعبدالناصر والسادات ومبارك والسيسي".

وامتدت عقيدة "تشويه القدوة" فطالت للأسف، كل ورموز السياسة والعلم والدين والفن والأدب والرياضة، لدرجة أنه لم يسلم منا على سبيل المثال لا الحصر "كل حكام الأسر القديمة، مرورا بمحمد على وأولاده، وعرابى، والشعراوي، وزويل، وهيكل، ومصطفى أمين، وطه حسين، ونور الشريف" وغيرهم.

وما يدمي القلب في ذلك السلوك المشين، أن أغلب ما يكتب لا هدف له سوى "شو إعلامي" تافه يخرج من بعض المشتاقين للشهرة، على حساب سمعة عظماء، أثروا الحياة في مجالاتهم بإنجازات تجعلنا نفخر بهم ونخلدهم على مر العصور، وهو ما يجعل القارئ يصاب بالصدمة من تدني و"تفاهة" ما يكتب.

لقد قص لى الفريق "فؤاد عزيز غالى" أحد رجال العسكرية المصرية الأفذاذ، وقائد الفرقة 18 مشاة التابعة للجيش الثانى الميدانى خلال حرب أكتوبر -رحمه الله- رواية، منذ أكثر من 40 عاما، أذكرها لأول مرة، حتى نتعلم كيف تقدر الدول رموزها، وتظهرهم في أبهى صورة أمام الأجيال القادمة.

فقد قال لى الفريق غالى رحمه الله: "عندما أرسلنى الرئيس السادات إلى تل أبيب ضمن وفد للتمهيد لمحادثات السلام مع إسرائيل في عام 1977، أقام الإسرائيليون لنا مساء يوم الوصول، حفل استقبال ضخم نقله التليفزيون الإسرائيلي على الهواء مباشرة، وفوجئنا في بداية الحفل أنه اصطف أمامنا مجموعة من الرجال تعدت أعمارهم جميعا الستين والسبعين عاما، وإذا بهم يبدون في تقديمهم لنا واحدا تلو الآخر، أمام كاميرات التليفزيون التي كان يتابعها كل الإسرائيليين نظرا لأهمية ما حدث".

وبدأ وزير الدفاع الإسرائيلى في تقديم هؤلاء الرجال لنا قائلا: "هذا هو القائد فلان الذي قام بالعملية الفلانية ضدكم في حرب 56، وهذا القائد فلان الذي قام بعملية كذا ضدكم في حرب 67، وهذا فلان، وهذا فلان، إلى أن انتهى من تقديمهم جميعا، ثم قال: هؤلاء هم كل القادة الذين مازالوا على قيد الحياة من القيادات العسكرية الإسرائيلية التي خاضت حروب ضدكم، ولم يتخلف منهم سوى القائد فلان الذي يرقد بالمستشفى مريضا، ونستأذنكم أن نقوم جميعا بزيارته في المستشفى غدًا"

وتساءل الفريق غالى -رحمه الله- قائلًا: "انظر كيف يقدرون قادتهم ورموزهم أمام الأجيال الجديدة، وانظر كيف سيكون واقع مثل هذا التكريم على الشباب والأطفال؟".

ولا ادري كيف نصر على ممارسة"عقيدة هدم وتشويه القدوة" وأمامنا شعب مثل الصين، هدم وأطاح بكل مبادئ ونظرات "ماو تسى تنج" إلا أنهم مازالوا يذكرونه كـ "زعيم" ولم يخرج سياسي صيني ليتهمه دون هدف، أنه كان لصا، أو شاذا، أو عميلا.

أفيقوا يرحمكم الله، وكفانا اصطياد للأخطاء وتشويه الرموز، طمعا في "شو إعلامي" زائف، قد يكلفنا كثيرا من الحساب أمام الله والتاريخ، فجميعنا بشر "خطاءون" ولسنا بملائكة ولا "معصومين".
Advertisements
الجريدة الرسمية