رئيس التحرير
عصام كامل

متى تتوقف الشائعات؟ (1)


الشائعة هي خبر مزيف يتسم بالتشويق ينتشر سريعًا، ويتداوله الناس باعتباره "الحقيقة"، فيؤثر في الرأي العام عادة بشكل سلبي.. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ازدادت القدرة على صناعة وترويج الشائعات.


الإجابة على سؤال "من يطلق الشائعات؟ ومن يستفيد منها؟"، قد تكون البداية المناسبة للحديث عن الموضوع.. فالشائعة تنتشر غالبًا لتحقيق مصالح أحد الأطراف، ربما بغرض الإساءة لأحد الشركات أو الشخصيات العامة، أو اغتيال معنوي لمنافس سياسي، أو تقليل حظوظ أحدهم في الوصول لأحد المناصب، وغيرها من الأهداف التي تصل إلى ضرب استقرار المجتمع، عن طريق استهداف رموزه ومؤسساته ونشر أكاذيب حول القضايا التي تشغل اهتمام الرأي العام.

قد يحرك ماكينة الشائعات منافس يرغب بالإطاحة بخصومه أو مؤسسات إعلامية وجهات معادية لتوجهات الدولة.. أو أطراف يفترض في حياديتها، بينما تكون في الأصل مدعومة من أحد أصحاب المصالح.

رسالة أو صورة غير دقيقة قد يتداولها البعض، عبر "واتس آب"، قد تكتب انهيار مؤسسة أو اغتيالًا معنويًّا لشخصية عامة.. وتدوينة عبر "فيس بوك" قد تجد طريقها للانتشار، وتتسبب في خسارة الملايين لأحد الشركات.

ورغم اختلاف الجهات التي تطلق الشائعات وأهدافها، إلا أن لها سمات واحدة مهما اختلفت، فهي تزداد انتشارًا عندما يزداد أهمية الموضوع المتصل بها أو تعلقت بشخصية مشهورة.. وتميل إلى المبالغة والتشويه واجتزاء الحقائق.. كما تكثر في أوقات الشعور بالأزمات أو كلما قلت الثقة بين الجمهور ومصادر المعلومات الرسمية أو ضعف وعي المتلقي أو الشعور بعدم مصداقية المصادر الإعلامية التي يتابعها.. فما مدى تصديق المواطن الفرنسي، مثلًا، لشائعة قيام الحكومة ببيع "برج إيفل"، في مقابل تصديق المواطن المصري لشائعة قيام الحكومة المصرية ببيع الأهرامات؟!

الشائعات تتميز أيضًا بإعادة التدوير، وقليل من البحث قد يجعلك تكتشف أن الشائعة ذاتها تكررت منذ سنوات.. كما يمكنك البحث عن الصور المتداولة مع الأخبار الكاذبة عبر موقع "جوجل"، لتكتشف التاريخ الحقيقي لعرضها أو المناسبة الصحيحة التي التُقطت فيها، ليصدمك أن نفس الصورة تم استخدامها في نشر عشرات الأخبار والتصريحات المزيفة.

الشائعة لا تعد فحسب جزءًا من الحرب النفسية التي تديرها الدول ضد بعضها، لكنها أيضًا أحد أسلحة الشركات في حروبها الاقتصادية.. فشائعة كاذبة عن وجود مستثمر إسرائيلي في شركة وطنية سيؤثر على مصالحها، وربما تتطور لحملات مقاطعة تستفيد منها شركة منافسة.. وشائعة أخرى عن وجود مواد مسرطنة في منتج ما ستؤدي لانهيار مبيعاته واقتطاع منافسيه لحصة سوقية من مبيعاته، وثالثة داخل سوق المال يمكن أن تؤدي لسقوط أسهم شركة وصعود أخرى. وقد تتجاوز الشائعة الحدود المحلية فتؤدي كذبة حول استخدام المبيدات الضارة في منتج زراعي يتم تصديره إلى توقف الدولة المستوردة عن طلبه بعد تشكك الرأي العام لديها في جودة المنتج.

ومع وسائل التواصل الاجتماعي ترسخت الصفة العالمية للشائعة وازداد انتشارها.. قد تخرج من آسيا فتصل إلى أفريقيا.. أو يطلقها أحدهم في الشرق فيُسمع صداها بعد دقائق في الغرب، فالجميع أصبح منتجًا للمعلومات والأخبار مطلقًا للهاشتاجات، وبالتالي لديه القدرة على إنتاج الشائعات، التي تبدأ صناعتها من "لوحة المفاتيح" لتتم ترجمتها إلى تأثيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، حتى أصبح تكرار التعرض لمواقع التواصل الاجتماعي أشبه بالعمل في مفاعل نووي، لأنه يعني زيادة تعرض عقلك لإشعاعات المعلومات المضللة.

قبل أيام انتشرت شائعة عن ارتفاع أسعار الوقود، من خلال صفحة غير رسمية، انتحلت صفة وزارة المالية، لتقف السيارات في طوابير أمام بعض "محطات البنزين"، ورغم تكذيب الوزارة الذي يعد بمثابة اشتباك إيجابي مع الشائعة إلا أن تأثير الكذبة استمر لدى البعض، فهناك من تغريه الأخبار المثيرة وينقلها لغيره دون تدقيق رغبة منه في الظهور بصفة العالم ببواطن الأمور.

السنوات الماضية كشفت الكثير من المفاهيم التي وضحت جانبًا من آليات صناعة الشائعة، منها عبارة "الصفحات النائمة"، التي يدشنها البعض باعتبارها صفحات تنشر "الأدعية الدينية" أو الموضوعات الرياضية والفنية أو "الكوميكس" وغيرها، لكنها تستخدم عند اللزوم في دعم وجهات نظر سياسية تعادي مؤسسات الدولة عبر نشر الأكاذيب والشائعات.. وصفحات أخرى أصبحت تستأجر لأغراض دعائية أو تجارية، فيمكن لك نشر ما تريد طالما تدفع الرسوم.

أيضًا هناك صفحات وحسابات تحمل أسماء مشاهير وفنانين، لكنها في حقيقتها صفحات غير رسمية اجتذبت الجمهور لحبه لأحد الشخصيات العامة قبل أن توظف هذه الصفحات لمصالحها.. ولكن كيف يمكن حماية المؤسسات من نزيف السمعة الذي تتعرض له مع كل شائعة؟!.. للحديث بقية في الأسبوع القادم.
الجريدة الرسمية