رئيس التحرير
عصام كامل

غزو أمريكى بريطانى.. هل يكرر ترامب سيناريو 1941 مع إيران؟


اتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إيران بالوقوف وراء الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط في بحر عُمان وقال الصور تثبت أنها من قامت بتنفيذ الهجمات.



وكانت الخارجية الأمريكية أعلنت أمس الخميس، عن أن لديها معلومات استخباراتية تُؤكد تورط إيران في الهجوم على الناقلتين.

على ذلك نشر الجيش الأمريكي مقطع فيديو قال إنه يثبت تورط إيران في الهجمات على ناقلتي النفط في خليج عمان.

وقالت واشنطن: إنه يُظهر أفرادا من الحرس الثوري الإيراني يزيلون لغما من جانب إحدى الناقلتين - لكن طهران نفت المزاعم "بشكل قاطع".

ودخلت بريطانيا في تحالف معلن مع أمريكا تجاه اتهام إيران، قال وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت هنت: إن العلاقات بين إيران الولايات المتحدة "في موقف خطير جدا"، بعدما نشرت واشنطن صور فيديو تقول إنها دليل على أن إيران نفذت الهجوم على ناقلتي نفط أمس في خليج عمان.

وقال هانت في تصريح لإذاعة بي بي سي: إن بريطانيا "تقبل اتهامات الولايات المتحدة، ولكنها ستحقق في الأمر بطريقة مستقلة، ليس هناك ما يجعلنا لا نصدق التقييم الأمريكي، فنحن نصدقهم لأنهم أوثق حلفائنا، ونحن قلقون من موقف إيران".

وحذر وزير الخارجية البريطاني طهران من أنه إذا ثبت ضلوعها في الهجوم على الناقلتين، فإن ذلك سيكون "تصعيدا تنعدم فيه الحكمة، ويشكل تهديدا حقيقيا لمستقبل السلم والاستقرار في المنطقة".


ومن العاصمة البريطانية "لندن" نشرت صحيفة "دايلي تلجراف" تقريرا يتحدث عن احتمالية نشوب حرب في المنطقة بين أمريكا وحلفائها من جهة وإيران من جهة أخرى.

ويشير التقرير إلى أنه رغم علم إيران، وعلى مدى أربعين عاما، أنه ليست لديها القوة العسكرية أو المالية اللازمة للوقوف في وجه "الشيطان الأكبر" –أمريكا، فقد سعت إلى التنافس استراتيجيا معه، وتضمن ذلك تسليح ميليشيات مستعدة لخوض حرب عصابات مع حلفاء الولايات المتحدة، من أمثال حزب الله وحماس والحوثيين، والعمل سرًا على برنامج تعتقد واشنطن أنه تم تصميمه لصنع قنبلة نووية.

ويوضح التقرير كيف استفادت إيران من إشرافها جغرافيا على مضيق هرمز "الاستراتيجي" الذي تعده الولايات المتحدة أهم نقطة تفتيش في العالم، والذي يمر منه خُمس إمداد النفط العالمي يوميا، معظمه من دول الخليج وعلى رأسها السعودية.

ويبين أن إيران لا تتهاون في الدفاع عن مصالحها إذ يعتمد اقتصادها بشكل كبير على النفط، ويظهر ذلك من تصريحات روحاني الذي قال مخاطبا الرئيس ترامب: " لا تلعب بذيل الأسد لأنك ستندم"، في حين يرى البعض أن إدارة ترامب تسعى إلى جر إيران لتبدأ الحرب لتعطي ذريعة لأمريكا للقضاء على قواتها العسكرية كما عملت عام 1941.

ويخلص التقرير إلى القول: إنه ربما يكون من الخطأ استبعاد الحرب اعتمادا على استنتاج بأن إيران ستكون عقلانية في تصرفاتها، في الوقت الذي ملأ ترامب المنطقة بقواته البحرية، في محاولة لمنع إيران من بيع النفط.

تلويح الصحيفة البريطانية بعملية 1940 التي كانت المملكة المتحدة طرفا فيها، يمثل مبعث قلق من احتمالية تكرار لندن التجرية مع حليفها الأمريكي في العصر الألفية الثالثة، على غرار ما فعلته إلى جانب السوفييت منتصف القرن الماضي من خلال تنفيذ غزوة عسكرية احتلت خلالها إيران في غضون ساعات.


الغزو الانجلو-سوفييتي لإيران هي عملية عسكرية نفذتها قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية من أجل غزو الأراضي الإيرانية. شاركت القوات السوفيتية والبريطانية إضافة إلى بعض الوحدات العسكرية التابعة لاتحاد دول الكومنولث في الغزو، استمرت العملية العسكرية من الخامس والعشرين من أغسطس وحتى السابع عشر من سبتمبر عام 1941، وأطلق عليها اسم عملية الإحياء، وكان الغرض منها تأمين حقول النفط الإيرانية ومنع القوات الألمانية من السيطرة عليها، كذلك ضمان خط إمداد وتموين آمن ومستمر للقوات السوفيتية المشاركة في المعارك على الجبهة الشرقية ضد قوات المحور.

وعلى الرغم من إعلان "رضا بهلوي" إيران بلدا محايدا في الحرب العالمية الثانية، إلا أنه أظهر تعاونا كبيرا مع قوات المحور، وبالأخص الألمانية، الأمر الذي دفع القوات البريطانية والسوفييتية لخلعه عن العرش وتنصيب ابنه خلفا له بعد احتلال كامل الأراضي الإيرانية.


في أعقاب غزو الألمان للاتحاد السوفيتي في يونيو لعام 1941 اتجه الأخير للتحالف مع بريطانيا، من جانبه عمل "رضا بهلوي" على التقارب بين بلاده وألمانيا على الرغم من إعلانه عن اتخاذ موقف المحايد من العمليات العسكرية منذ بدايتها، وهو ما آثار مخاوف البريطانيون حول مستقبل حقول النفط بعبادان المملوكة لشركة النفط الأنجلو-إيرانية مع احتمال وقوعها في يد الألمان، وهو يمثل حجر زاوية في المجهود الحربي للحلفاء في هذه المنطقة خاصة مع ارتفاع إنتاجية الحقول إلى ثمانية ملايين طن من النفط عام 1940، وتلاقت وجهات النظر البريطانية مع نظيرتها السوفيتية، حيث مثلت الأراضي الإيرانية أهمية قصوى للاتحاد السوفييتي الذي كان يعاني في ذلك الوقت من تقدم الجيش الألماني داخل أراضيه، ومن ثم أصبح مضيق هرمز أهم الوسائل المحدودة المتاحة أمام قوات الحلفاء للسيطرة عليها لضمان توصيل الإمدادات الأمريكية للاتحاد السوفييتي في إطار مشروع قانون الإعارة والتأجير الأمريكي.


لم تدم عملية الغزو طويلا ونفذت بسهولة ويسر، إذ بدء الهجوم البريطاني من الجنوب عن طريق القوات المتمركزة في العراق (والمعروفة باسم عراق فورس - Iraqforce، والتي تغير اسمها لاحقا بعد ستة أيام من الغزو إلى القوات المركزية بإيران والعراق؛ پاي فورس - Paiforce) بقيادة اللواء إدوارد كوينان، وهي القوات المتألفة من الفرقتين الثامنة والعاشرة مشاة الهنديتين واللواء الثاني مدرع الهندي والفرقة الأولى فرسان البريطانية (والتي سميت فيما بعد باللواء التاسع مدرع) بالإضافة إلى اللواء الحادي والعشرين مشاة الهندي، في حين هاجم الاتحاد السوفييتي من الشمال بثلاثة جيوش كاملة هي الجيش الرابع والأربعين والسابع والأربعين قادمين من جبهة القوقاز بقيادة الفريق ديمتري كوزلوف والجيش الثالث والخمسين بقيادة الكولونيل العام سيرجي تروفيمنكو، كما شاركت القوات الجوية والبحرية بوحدات في المعركة، على الجانب الآخر قام الجيش الإيراني بحشد تسعة كتائب مشاة لصد الهجوم.

وأرسل الشاه رضا بهلوي خطابا للرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت في الخامس والعشرين من أغسطس، مستشهدا فيه بميثاق الأطلسي، جاء فيه: "انطلاقا من الأسس التي حرص فخامتكم على إرسائها دائما خاصة فيما يتعلق بضرورة حماية والدفاع عن المبادئ المتعلقة بالعدالة الدولية وحق الشعوب في الحرية، أرجو من سيادتكم اتخاذ اللازم من خطوات إنسانية عاجلة وفعالة لوضع حد لهذا الاعتداء السافر والذي يلقي بظلال الحرب على دولة محايدة، مشاركة في ميثاق الأطلسي، لا تهتم سوى بالحفاظ على هدوء الأوضاع وإصلاح شأنها الداخلي".


إلا أن الخطاب الإيراني لم ينجح في دفع الرئيس الأمريكي لاتخاذ أي رد فعل حيال الغزو الأنجلو-سوفييتي، وهو ما بدى واضحا من رد الرئيس روزفلت الذي جاء فيه: "بالنظر للقضية في مجملها، نجدها لا تنطوي فقط على المسائل المطروحة من قبل صاحب الفخامة الإمبراطورية، وإنما تنطلق إلى أبعاد أخرى متمثلة في طموح هتلر للسيطرة على العالم، ومن المؤكد أن الحملات الألمانية قد تستمر لما هو أبعد من آسيا وأفريقيا وأوروبا وحتى الأمريكتين ما لم يتم إيقاف تلك الحملات عن طريق التدخل العسكري، وإنه لمن المؤكد أيضا أن تلك الدول الساعية لضمان استقلالها ووحدة ترابها الوطني يتوجب عليها من جهتها الانضمام لهذا المجهود الحربي لوقف الزحف الألماني الذي ابتلع العديد من الدول الأوروبية الواحدة تلو الأخرى، وعليه فإنه من منطلق تلك الحقائق فإن الولايات المتحدة الأمريكية، حكومة وشعبا، لم تسع فقط لتأمين دفاعاتها بأسرع ما يمكن، بل انخرطت في برامج شاملة لتأمين المؤن والعتاد للدول المشاركة في معارك ضد الطموح الألماني للهيمنة على العالم.

وفي نهاية الخطاب، حرص الرئيس روزفلت على بث مشاعر الطمأنينة لدى الشاه قائلا: في النهاية ننقل لكم صدق نوايا حكومات الاتحاد السوفييتي وبريطانيا تجاه إيران وتعهدهما بعدم المساس باستقلال البلاد أو وحدة أراضيها.



الجريدة الرسمية