رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد صالح يكتب: تركيا بين الغضب الأمريكي أو الروسي


في عالم السياسة المراوغة فن وتبديل المواقف والخصوم لاقتناص المصالح يحتاج للتوقيت المناسب، ولأسباب لها وجاهتها الأخلاقية قبل السياسية، أما التقلب الدائم بين محور الحلفاء والأعداء فإنه يفقد الدول مصداقيتها وهيبتها، ويضعف الثقة في القائمين عليها فالقيادة السياسية مثل التاجر الذي يحتاج دوما للسمعة الحسنة حتى وإن كان ما خفى غير ذلك.


أمهلت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التركية حتى نهاية شهر يوليو لاتخاذ قرارها بالعدول عن صفقة شرائها لمنظومة الصواريخ الروسية الصنع (إس 400)، وهددت بعقوبات اقتصادية كبيرة، وأخرى عسكرية تتمثل في إلغاء بيع صواريخ الباتريوت التي تطالب بها تركيا منذ فترة، مع حرمانها من صفقة شراء عدد كبير من الطائرات الأمريكية (إف 35)، والسابق تعاقد الطرفين عليها مع طرد المتدربين الحاليين من الطيارين الأتراك على قيادتها، أما السبب في ذلك فهو يرجع لمسئولي وزارة الدفاع الأمريكية الذين يرون استحالة الجمع بين امتلاك الحليف التركى لهذه النوعية من الطائرات الحديثة، وبين الصواريخ الروسية المتعاقد عليها مؤخرا (إس 400)، وذلك خشية اختراق لسرية صناعتها، وإفشاء لخصوصياتها حيث إنه من الصعب رصدها على الرادارات، ولذلك تسمى (الشبح)، ولا يشك الأمريكان أن روسيا (الخصم اللدود لها) سوف تتأخر في فعل ذلك، بل إن البعض منهم ذهب لأن بيع الطائرة للأتراك مع حصولهم على الصواريخ الروسية يمثل قيام الولايات المتحدة بوضع طائرتها بمطار روسي وتركها.

للإنصاف، فإنها من حق أي دولة تنويع مصادر السلاح لديها وامتلاك الوسائل الدفاعية اللازمة لتأمين حدودها، ولكن هناك عائقًا كبيرًا لدى تركيا قبلته وأقرته سابقا، وعليها التحلل منه حتى تحصل على ما تريد، وهو اشتراكها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو منظمة عسكرية يشترك فيها عدد كبير من الدول من أوروبا الغربية وأمريكا، وقد تأسست لمواجهة خطر الاتحاد السوفيتي وقت الحرب الباردة (1949)، والذي قام فيما بعد بالرد على تلك الخطوة بتأسيس حلف وارسو (المنحل) بالاشتراط أيضًا مع بعض الدول من أوروبا الشرقية، ولأن روسيا هي امتداد الاتحاد السوفيتي المتفكك عام 1991 فإن مخاوف أوروبا الغربية وأمريكا مشروعة من هذه المنظومة الصاروخية، خاصة أنها متطورة للغاية تتحول للوضع القتالي في خمس دقائق فقط، وتصيب 36 هدفا مجتمعا، غير أنها قادرة على رصد أهدافها على بعد ستمائة كم، وتدمرها على بعد 300 كم، ومن المؤكد أن الخفايا والإمكانات والتحكم بها يخضع لدولة الصنع الروسية، العدو التقليدي لحلف شمال الأطلسي.

أصبح التهديد والعداء واضحًا بين تركيا (أردوغان) وأمريكا رغم الحذر الدبلوماسي، فهل يستكمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شراء المنظومة الصاروخية، ويبدأ رحلة الانفصال والخروج من حلف الناتو ومعاداة أمريكا ؟ أم أنه سيخضع للتهديدات؟
شخصيا أرى أن تاريخ الرجل يشي بأنه قد يتراجع عن إتمام الصفقة الروسية، كما فعل عندما أعاد القس الأمريكي لبلاده، بعد ضغوط كبيرة من الرئيس ترامب أثرت وقتها على العملة التركية.

وفى جميع الأحوال فإن صاروخًا روسيًّا من هذه المنظومة انطلق قبل موعد تسليمه ليصيب العلاقات التركية الأمريكية، وما قبل الاتفاق للحصول عليها سيختلف تماما عما بعدها بعد أن وضحت نوايا كل طرف، وتبقى الحكمة من هذا المشهد أنه على من لا يملك المهارة اللازمة للحصول على كل شيء تجنب المغامرة لأنه قد يخسر كل شيء.
الجريدة الرسمية