رئيس التحرير
عصام كامل

ديموغرافيا السوريين في مصر ولبنان


تغريدة لوزير الخارجية اللبناني "جبران باسيل" حول كون "اللبناني قبل الكل" في العمل وتقديمه على سائر الجنسيات منذ يومين، أثارت اللغط، بل والسخط، بين بعض مواطني الدول التي ذكرها "باسيل" في تصريحه، بل ووسط اللبنانيين أنفسهم.


التغريدة التي أثارت غضب اللبنانيين ومواطني بعض الدول كالسعودية، قال فيها: "من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى، أكانت سورية.. فلسطينية.. فرنسية.. سعودية.. إيرانية أو أمريكية، فاللبناني "قبل الكل".

والحقيقة أن "باسيل" لم يكن مضطرًا لتعديد الجنسيات التي يأتي اللبناني قبلها، فالمفروض أن مواطن أية دولة له الأولوية في دولته في مجال العمل، فيما يتساوى الجميع أمام القانون.

التحليل البسيط لتغريدة الوزير يقول إن "باسيل" أراد تجنب ذكر السوريين والفلسطينيين، فأضاف الأمريكيين والفرنسيين، وأضاف إيران إلى السعودية حتى لا يُتهم بالتحيز، ولكنه لم يكن مضطرًا لمثل هذه التغريدة التي جعلت الكثيرين يصفونها بالعنصرية.

وبعيدًا عن دوافع "باسيل"، وعن اللغط الذي أثاره التصريح، فإن لبنان يعاني من بطالة بسبب النزوح السوري. فآخر الإحصائيات تقول إن عدد السوريين في لبنان قد وصل إلى مليون ونصف مليون لاجئ. المقارنة السريعة بين عدد السوريين في لبنان وعددهم في مصر تكشف عن فارق كبير.

فقد قال مساعد وزير الخارجية المصري للشئون العربية، والمندوب الدائم بجامعة الدول العربية، "محمد البدرى": إن عدد الضيوف السوريين المسجلين في مصر يبلغ 137 ألفًا، لافتًا إلى أن العدد الحقيقي يقدر بـ550 ألف سوري، بنسبة 10% من اللاجئين السوريين في باقي الدول.

الديموغرافيا هو جزء أصيل في دراسة السكان، وهو يرتبط بالجنسية، والمهنة، والعمر، والاعتقاد.. بالنسبة للسوريين في مصر، فإن عددهم لا يمثل خطرًا على التركيبة الديموغرافية في مصر، بينما يشكل عددهم، الذي يقول بعض اللبنانيين إنه يتجاوز الرقم المعلن بكثير، خطرًا على التركيبة السكانية.

السوريون ليسوا لاجئين، لا في مصر ولا في لبنان. فالسوريون منذ فترة طويلة يحق لهم العمل في لبنان. فعدد السوريين في لبنان ليس في الحقيقة هو المشكلة كما يظن البعض. صحيح أن زيادة عددهم قد تشكل تأثيرًا على التركيبة السكانية في لبنان، لكن من يفهم لب القضية جيدا يعرف أن ما يزعج اللبنانيين ليس هو العدد، لكن المهن التي يمتهنها السوريون.

فمعظم السوريين الذين سافروا إلى مصر من الطبقة الغنية أو الطبقة التي تمتلك رءوس أموال قاموا بضخها في مصر، إلى الدرجة التي حدت بالبعض إلى التساؤل عن مصدر أموالهم. السوريون في مصر لديهم مطاعم وأنشطة اقتصادية كبيرة، وهم يعملون معًا، كما يساهمون في توفير فرص عمل للمصريين.

السوريون في لبنان من الطبقة العاملة التي لا تملك رءوس أموال، وهم يعملون بالمهن الحرة التي يمتهنها اللبنانيون وبأجور أقل من تلك التي يحصل عليها المواطن اللبناني.. المشكلة التي تزعج اللبنانيين هي أن العديد من السوريين لا يخططون للعودة لبلادهم، تمامًا كما لا يخطط أصحاب المشاريع في مصر من الإخوة السوريين في العودة لسوريا.

المشكلات الديموغرافية التي يعاني منها لبنان هي التي دفعت وزير الخارجية اللبناني لتصريحه غير المقبول لأنه أثار حفيظة الناس، فيما أن جوهره لا يحمل جديدًا في أن كل مواطن في بلده أحق من غيره، لكن ما نسيه "باسيل" أن اللبنانيين، حتى قيام الثورة السورية وظهور داعش، كانوا يشترون الكثير من احتياجاتهم من سوريا لأن المنتجات السورية أفضل وأقل سعرًا. كما أن المفروض أن نتحمل بعضنا البعض، ليس فقط لأننا عرب نتشارك في الديانات نفسها، واللهجة نفسها، لكن حتى من أجل الإنسانية التي أصبحت تعاني في هذا الزمن الرديء.
الجريدة الرسمية