رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

صناعة "عشماوي"


من المترسب في الذهنية الشعبية أن "عشماوي" هو الشخص الذي يقوم بتنفيذ حكم الإعدام، وكذلك رسخته الصورة السينمائية بصفته وهيئته المريبة والغليظة في تكوينه الجسماني، والباردة في ملامحه الخالية من أية إحساس إنساني بالشفقة أو بالرحمة. مجرد آلة تعمل على آلة لتنفيذ فعل شنق الحياة!


وعلى الرغم من أن هذا المسمى قد رققته اللغة في معناه حيث العشم والأمل في باب الحب وحسن الظن. لكن اللغة الحياتية الفعلية لم تغير شيئا من غلاظة المسمى والهيئة. عندما تذكر هذا المسمى أمام المارة فأول ما يتبادر على بالهم (عشماوي والموت)، وكأن الواقع الحياتي للمسمى يعاند المعجم اللغوي.

وهذا ما يؤكده الضمير الجمعي أن التعامل بدم بارد مع الاعتياد على تكرار فعل القتل، لهوَ سلوك نفسي مريض. وأن النظر إلى الدماء الإنسانية باعتبارها رجسا، ودنسا، ونجسا، لهو بهيمي. والاعتقاد بأن من يفعل هذا من جنود الله والتبرير لهذه الفعلة الخسيسة تحت أي مسمى لهوَ خلل اجتماعي راجع لعطب ديني متأسلم. وتبلور كل هذه الأنماط صورة "عشماوي" التي جاءت مؤخرا في سياق المشهد التراجيدي مرادفة لهيئة إرهابي قذر.

اسمه "هشام عشماوي" إرهابي "عنتيل" يجسد صورة أعلى للصوصية وقُطَّاع الطرق. لم يحترم كينونته الوظيفية السابقة كأحد ضباط الجيش المصري من المخلصين لعقيدتهم الوطنية والدينية السمحة، وانحرف عن المسار، ليقدم نموذجا لصناعة فاسدة وعطنة رائحتها تزكم الدنيا والدين.

والآن باتت الصورة واضحة، أن عشماوي ليس فردا بل جماعة متخفية تحت قشرة الوطنية الحنجورية المزيفة، فكثرت الصفة وتباينت في أكثر من وظيفة ومهنة، ليس في زي الطبيب أو المهندس أو أستاذ الجامعة أو الحرفي فحسب، بل قفزت بين صفوف رجال الجيش، وهنا مليون خط أحمر!

يجب أن ندرك أن الإرهاب استفحل في مؤسسات تفرض هيمنة النقل على حساب العقل، تحوم في فلك السلفية الازدواجية ذات الألف قناع، تبدلهم حسبما الحالة والعصر والبيئة.

يرتع أفراخ الإرهاب في الشارع المصري لشيوع بيئة الفساد بين رجال الدين والسياسة. و"عشماوي" وأمثاله أبناء شرعيون لميراث دموي داعر سياسيا معطوب دينيا. أبناء لحالة زنا فاضحة بين المتأسلمين من رجال الدولة، ولعل السادات ونهايته أكبر دليل!

هذه الحالات "المتربة" في دولاب الدولة المصرية يجب دراستها بشكل علمي جاد ومختلف، وتقديمها للمجتمع بهدف خلق وعي اجتماعي ونضج عقلي ينقل مصر من الاتباع وتقديس رجال دين والسياسة إلى التحرر والتنوير القائم على قواعد التقدم المنطلقة من فهمنا لتراثنا الصحيح وإدراكنا لحاضرنا ومشاكله.

على رجال الدولة أن يدركوا أن مصر، الوطن والدولة، أكبر بكثير من كل أنجاس الخلافات المتأسلمة المزعومة، وأن يكفّوا عن تلاعبهم الخسيس مع الوعي والتنوير المصري. وعلى الدولة الآن أن تُسطّر بقلم التثقيف ليقظة الوعي المصري من سباته العميق.
إذن الانتباه الآن، وليس غدا، أو ستغرق الدولة وسنغرق معها إلى الأبد في مستنقع "الحنجلة" بين الديني والسياسي!
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..
Advertisements
الجريدة الرسمية