رئيس التحرير
عصام كامل

"النفوس تذهب حسرات".. جراء أزمة الدراما المصرية وفقرها الثقافى

جانب من فعاليات مهرجان
جانب من فعاليات مهرجان كان السينمائى-صورة أرشيفية

بين مهرجان كان السينمائي وسباق المسلسلات التليفزيونية الرمضانية قد تذهب النفوس حسرات.. جراء الأزمة الحادة للدراما المصرية سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة وبما يعكس مشكلة ثقافية بالدرجة الأولى.


والأزمة تثير تساؤلات: كيف عجزت الثورة المصرية عن التأثير على الدراما؟.. ولماذا بقى المشهد السينمائي والتليفزيوني الدرامي المصرى بعد ثورة 25 يناير دون تغيير؟ وماذا عن مخاطر الغزو الدرامي لدول مثل تركيا؟.

فالغياب المصري كامل عن مهرجان كان السينمائي الذي ينتهي يوم السادس والعشرين من الشهر الحالي، باستثناء رغبة بعض الفنانين المصريين في التوجه لكان بفرنسا بغية التقاط صور للذكرى، أو الدعاية، أو ربما الحلم المشروع بالتنافس ذات يوم في هذا المهرجان الأشهر للسينما بعد أن ضن الواقع والحاضر بهذا الحلم.

وإذا كان مهرجان كان السينمائي الذي بدأ في الخامس عشر من مايو يكرم هذا العام السينما الهندية احتفالا بمئويتها وبحضور عدد من نجومها يتقدمهم اميتاب باتشان، فلعل السينما المصرية رغم محنتها الراهنة أكثر عراقة من السينما الهندية، بل إنها قدمت عبر تاريخها المديد روائع لم يقدمها الفن السابع الهندي.

وانطلقت فعاليات مهرجان كان السينمائي في دورته السادسة والستين بفيلم "جاتسبي العظيم"، فيما يترأس لجنة التحكيم هذا العام المخرج والمنتج الأمريكي ستيفن سبيلبيرج ويغيب أي اسم مصري عن قائمة المتنافسين على السعفة الذهبية، أو الجائزة الكبرى لهذا المهرجان، بل بقية جوائزه، مقابل أسماء تتردد من دول حديثة العهد بالسينما مقارنة بمصر، كالمخرج التشادي محمد صالح والإيراني أصغر فرهدي، جنبا إلى جنب مع النجوم المتوهجة في دنيا الأطياف، كالأمريكي رومان بولانسكي والإيطالي باولو سورينتينو والياباني تاكيشي ميكي.

وفيما كان فيلم "جاتسبي العظيم" لمخرج عرف بأسلوبه الاستعراضي الغنائي خير فاتحة لمهرجان كان، قد تذهب النفوس حسرات مع التراجع المريع في الأفلام الاستعراضية بالسينما المصرية بينما تمتد الأزمة لأبعاد أكثر خطورة وطالت المسلسلات التليفزيونية كما يعكسها التساؤل المرير للكاتب والشاعر فاروق جويدة:"لا أدري كيف ستواجه مسلسلات رمضان الزحف التركي الذي اجتاح الدراما المصرية وانتشر على جميع الفضائيات".

ومضى فاروق جويدة، متسائلا بشأن الدراما التليفزيونية المصرية: "ماذا تفعل مسلسلات رمضان أمام الجمال التركي الرهيب والديكورات والقصور والفيللات وقبل هذا كله كيف تواجه دراما رمضان الرومانسية التركية التي ألهبت المشاعر وحركت القلوب؟".

ومع أن الكاتب والشاعر فاروق جويدة يؤكد على أن "المنافسة حق مشروع"، فإنه يلفت إلى أنه "أمام الجمال التركي هناك حسابات أخرى".

لا شك أن الدراما المصرية- كما يقول جويدة- ستواجه اختبارا صعبا خاصة أن عدد المسلسلات التي تم الإعلان عنها قليل للغاية، كما أن حجم الإنفاق تراجع أمام الظروف الاقتصادية الصعبة، فيما خلص إلى أنه "ستكون خسارة كبيرة للفن المصري أن تسقط الدراما من عرشها وهي التي شكلت الوجدان المصري والعربي لسنوات طويلة".

وفي الوقت ذاته فإن فيلم "جتسبي العظيم" المأخوذ عن رواية كتبها فرانسيس سكوت فيتزجيرالد، يعيد للأذهان العلاقة الوثيقة بين الأدب والسينما والدور الذي يمكن أن تقوم به الرواية في رفد الفن السابع بكل ما هو مثير للدهشة ومحقق للنجاح حتى بالمعايير
التجارية التي باتت مهيمنة بشدة على السينما المصرية، بينما تبدو هذه السينما وقد فقدت ذاكرتها وتناست أن أعمالا لأدباء مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس حققت لها المجد بطرفيه.

فرواية "جاتسبي العظيم" التي نشرت لأول مرة عام 1925 هي تحفة على مستوى روائع الأدب الخالد، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، كما هي تحفة في عالم الأطياف التي تبدت في مهرجان كان السينمائي.

وإذا كانت رواية جاتسبي العظيم تؤرخ لعشرينيات القرن العشرين كفترة مفصلية ومرحلة تحول في الحياة الأمريكية بأحلامها وثرائها المادي وخوائها الروحي وما يسمى بصخب "عالم الجاز"، فإن السؤال المثير للقلق بشأن السينما المصرية: "هل سيستمر طويلا غياب ثورة يناير في عمل سينمائي رفيع المستوى ويحظى بالجماهيرية كما عجزت هذه السينما عن صنع مثل هذا الفيلم عن حرب السادس من أكتوبر التي تحل هذا العام ذكراها الأربعين؟".

إن هذه الذكرى التي تحل هذا العام تثبت عدم دقة مقولة أن الإبداع بحاجة لوقت وكأن 40 عاما لم تكن كافية لإنتاج هذا الفيلم المفقود، بينما قدمت السينما الأمريكية والغربية على وجه العموم عشرات الأفلام الرائعة إبداعيا وتجاريا عن الحرب العالمية
الثانية وحروب تالية، فيما باتت الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق مصدر إلهام للرواية والسينما معا في الولايات المتحدة.

فالروايات العظيمة تشكل معينا لا ينضب للسينما مثل "جاتسبي العظيم" حيث يتجلى عنفوان الرواية وحضورها بالتلاقح الإبداعي بين الكلمة المكتوبة والأطياف الساحرة على الشاشة الكبيرة.

وكانت السينما المصرية قد استوحت رواية فيتزجيرالد في سيناريو كتبه بشير الديك لفيلم "الرغبة" الذي أخرجه محمد خان عام 1979 وقام بدور البطولة الممثل نور الشريف، فيما قدمت رواية "جاتسبي العظيم" في عدة أفلام أمريكية برؤى ومعالجات سينمائية مختلفة، أخرها الفيلم الذي افتتح به مهرجان كان، أخرجه باز لورمان ببطولة ليوناردو دي كابري وكاري موليجان وتيدا بارا.

وكان فيل هود تساءل في سياق تقرير بصحيفة "الجارديان" البريطانية: بعد أشهر من الاضطرابات التي جعلت دور السينما المصرية لا تنعم بروادها، هل يكون بمقدور أقدم صناعة للفيلم في منطقة الشرق الأوسط درء مخاطر هوليوود وتحقيق نهضة سينمائية إبداعية؟.

وهكذا يمكن القول إن الدراما المصرية سواء على مستوى الشاشة الكبيرة أو الشاشة الصغيرة تبدو حائرة وعاجزة ثقافيا وإبداعيا عن التكيف مع متغيرات ومتحولات ما بعد ثورة يناير.

فثمة حالة في السينما المصرية على وجه الخصوص من التخبط والشعور الحاد بعدم اليقين، بينما يقول خبير غربي بارز في صناعة السينما هو انتونى زيند، رئيس "يونايتد موشن بيكتشرز"، وهو الكيان السينمائي الذي يحتكر توزيع الأفلام الأمريكية في مصر لصحيفة "الجارديان": "أعتقد أن المصريين غير سعداء بنوعية الأفلام التي تصنع في بلادهم".

كما تشكك في أن يكون المشاهد المصري مستعدا لقبول دراما فجة ومباشرة عن ثورة يناير والأحداث الجسام في عام 2011 لأن الواقع كما عرفه هذا المشاهد أعظم بكثير جدا من هذا النوع من الدراما الذي سيكون مجرد محاكاة ساذجة وتكرارا مبتذلا.

وفي المقابل فإن العين المتأملة لمجريات مهرجان كان السينمائي في دورته الحالية تلحظ قوة التنافس وعلو المد الإبداعي.. وها هي دولة مثل إيطاليا تبدو حريصة كل الحرص على تأكيد حضورها بإبداعاتها السينمائية في المهرجان الأشهر.

وكانت الممثلة الإيطالية فاليريا جولينو قد أطلت لأول مرة كمخرجة بفيلمها "عسل" في كان"، فيما تمثل بلادها في "قسم نظرة ما" الذي يمضي بالتوازي مع قسم المسابقة الرسمية حيث التنافس بين الأفلام على الجائزة الكبرى للمهرجان.. السعفة الذهبية.

على نحو يعيد للذاكرة المصرية أمجاد المخرج الراحل يوسف شاهين الذي رفع اسم مصر عاليا في هذا المهرجان وفاز بجائزته الكبرى، فإن الفيلم الأخير لسورينتينو يرسم صورة لروما اليوم.

الجريدة الرسمية