رئيس التحرير
عصام كامل

رزق يوم القيامة


كانت لي عمة، رحمة الله عليها وأرضاها، فائقة الجمال في طيبة الروح وفطرية العقل والدين، اسمها "ماجدة" اسم فاعل مؤنث من "مجد" أي العِزَّة والرِّفعة والشرف، وكنت متعلّقا بها كما العاشق بالمعشوق. بين عينيها الجميلتين تعلمت القراءة، وأدركت كيف يكون الجمال رزقا.


كانت العمة تعلمني هذا وأكثر بابتسامتها المشرقة، وكنت ألتقط منها كل هذا الفيض البديع وأتهجّى حروفي الأولى في كتبي المدرسية بين يديها، وكانت تخبرني من وقت لآخر أن القراءة عين ثالثة ترى بها الله.

وكثيرا ما كنت أراها منزعجة من زعيق واعظ الجمعة وخطبته المخيفة عن أهوال يوم القيامة، وعن الهلاك والخوف والرعب الذي ينتظرنا في نهاية الدنيا، وكنت أرى في عينيها عدم تصديق هذا الواعظ وكأنها تهمس فيما معناه كيف له أن يقول هكذا، هل قرأ من قبل شيئا؟ إنه كالحمار الذي يحمل أسفارا دون أن يعيها، بكل تأكيد إن الله منع عنه رزق يوم القيامة! كيف جرأ على ترهيب وتخويف أحباب الله في يوم من أيام الله المصيرية. خير لهذا الواعظ أن يُعلِّمنا كيف نقابل الله ببسمة المحبة نهرول في معية الجمال والجلال!

إذا كان يوم القيامة بهذه البشاعة المصورة، فأين رزق الله لنا في يوم كهذا؟ والرزق لا ينقطع ما دام في البدن نفس. ولماذا يصور الواعظ هذا اليوم بكل هذه البشاعة وكأن الله غاضب، ولماذا يغضب الله علينا أصلا؟ وهو الجميل الذي لا يغضب، وهو الرازق الواهب الذي لا يمنع. هكذا كنت أتصور وأفسر الأمر كله باعتبار أن التعاسة كلها ستصب في بصيرة من سيُحرم من نيل بركة رزق الله في هذا اليوم. سيكون الأمر كله يوم القيامة مجرد "قرصة أذن".

وبلا شك، كانت البصيرة الروحية الفطرية التي كانت تمتلكها العمة، تدهشني أيّما دهشة حين تقول ضاحكة: "لا، أنا مش لاعبة في اللعبة دي ولا أريد أن أكمل لليوم دا، أنا هسلم بدري بدري قبل الفزع دا كله"، وقامت قيامة العمة وهي مبتسمة راضية على سريرها، وكان حزني الأكبر أني لم أكن موجودا بالجوار لأحضنها وأخبرها عن عثرات فتاها المدلل ابنها البكري. أحكي وتضحك وأضحك ويضحك معنا الله على إيماننا الذي لم يخرج نطاقه محبتنا له وليومه.

والآن لا هي هنا ولا أنا معها، لكني أراها الآن وأنا أخبرها أن ثمة حمقى من الناس اخترعوا سلاحا ضد رزق الله! فقد قرأت خبرا غريبا مفاده أن الروس ابتكروا سلاح "يوم القيامة" وسيكون قادرًا على تدمير مدن بأكملها من خلال إحداث تسونامي، أي أن ما يقوم به من تدمير وانفجار هائل كفيل بأن "يطربق الدنيا عاليها واطيها..!"
إذن ما الجديد، يا عالم مبتور الخيال متهور في قطع صلة رحمنا برزق يوم القيامة!
فلا تستهينوا بمكر (ن والقلم وما يسطرون)...

الجريدة الرسمية