رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل كُتبت ملحمة «جيم أوف ثرونز» على ورق العنب؟


سألني أحدهم: متى تقبل الرأي الآخر، فقلت: عندما أكون أنا الآخر..
فمعظمنا يحترم آراء الناس ما دامت تؤيد وجهة نظره، لكننا ننتفض كمن "لبسه عفريت" حين نسمع رأيا مخالفا، فنصب غضبنا على ذلك المخالف وكأنه لعن "سلسفيل جدودنا"، وبدلا من مناقشته في رأيه، نسمعه نحن آرائنا في أهله.


وخلال الأيام القليلة الماضية كان لدينا نموذجان يجسدان بصدق «أزمة قبول الرأي الآخر» خاصة لو تعلق هذا الأمر في ما يمكن تسميته بـ «الثوابت المجتمعية»، سواء تلك التي تعارف عليها المجتمع بوصفها مسلمات بمرور العقود والقرون، أم تلك التي أدخلناها نحن حديثا واعتبرناها من «الثوابت» التي لا تقبل الجدال كمحل يعلق لافتة «الفصال ممنوع»..

النموذج الأول يتعلق برأي الدكتور يوسف زيدان (الباحث والروائي) بخصوص مسلسل الفنتازيا الشهير «game of thrones»، فالرجل بكل بساطة لم يكن قد شاهد أي حلقة من المسلسل حتى اضطر لمشاهدة الأجزاء السبعة (قبل انطلاق الموسم الثامن والأخير) دفعة واحدة، كمن يتجرع كوبا من الفوار، ليطفئ الشغف الذي اعتراه بعد كل تلك الجلبة التي صاحبت المسلسل خلال السنوات الماضية، والتي وصلت ذروتها مؤخرا قبل بث الموسم الأخير من العمل الملحمي.

فعبر حسابه في فيس بوك قال زيدان «ألزمت نفسي بالصبر على مشاهدة لعبة العروش، المعروف باسمه المختصر GOT لاسمه التام Game of Thrones... بصرف النظر عن تفاهة التناول الفني في المسلسل لمسألة (السلطة)، وفقر الخيال الإبداعي في المعالجة الأسطورية الفضفاضة للوقائع على نحو ممل، وسخف كتبة السيناريو وإصرارهم على إقحام التعبيرات الأمريكية (المبتذلة) في الحوار، فإن المسلسل الطويل الممطوط، لا يُقدم أي فكرة مبتكرة وإنما حشو لمعارك لا تنتهي بين الراغبين في السلطة».

صحيح أن الرجل استخدم أوصاف من قبيل «هبد ورزع» في معرض كلامه عن المسلسل، إلا أن الأمر يبقى في النهاية مجرد رأي شخصي، فهو حر في ما يراه، لكن جمهور المسلسل الشهير لم يكن صدره رحبا بالقدر الذي يسمح للدكتور يوسف بأن ينجو من تعليقاتهم وسخريتهم التي تلسع وتكوي..

وبالتزامن مع أزمة «زيدان - GOT»، كان جمهور السوشيال ميديا منغمسا في أزمة أخرى تتعلق بشرف السفرة المصرية، حينما تجرأ فتى طائش وجاهر برأيه حول «محشي ورق العنب» أي والله محشي ورق العنب، إذ انتشر «بوست» لأحد مستخدمي فيس بوك، "فريند مننا يعني"، يقول فيه: "إنه لا يعرف لماذا يحب المصريون البتاع ده، قاصدا محشي ورق العنب، وراح مشوح بإيده كده يا باشا اللي هو مش هامه يعني"..

«بس يا سيدي، عنها وولعت مواقع التواصل»، إذ صب المصريون لعناتهم على الولد، فكيف له أن يهدم ثوابت المجتمع الغذائية ويسفه من قيمة وقدر طعم محشي ورق العنب المقدس بكل هذه الصفاقة؟!

وطبعا لم يسلم الفتى الطائش من سهام النقد والسخرية، بل إن أحدهم قال معلقا في «كومنت»: «اسمه ورق عنب مش (البتاع ده) وبعدين تقولها وأنت واقف».

ربما يكون النموذج الأخير مجرد موقف طريف يظهر خفة دم المصريين وحبهم للسخرية، غير أنه يلخص بحق أزمة تشبه المرض المستشري في جسد الأمة، "دا أنا عليا جُمل"، فنحن فعلا نكره كل رأي مخالف ونعتبره شذوذا وتكسيرا لكل الأعراف وخروجا عن الأخلاق يستدعي تطبيق حد الحرابة!!

يا سادة يا كرام، نحن نقدس كل قديم حتى إذا كان بلا قيمة، فنمنحه القيمة فقط لمرور الزمن عليه، كما أننا نضع مئة هالة من النور حول الأشياء التي اجتمع عليها الناس حتى وإن كانت كريهة، نسير مع السائرين دون أن نسأل «هو منين بيودي على فين؟»، ومعظمنا يخشى الجهر برأيه في ما اعتبره الناس مقدسا، فلا تصدق أن «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، فالاختلاف في بيتنا ينتهي حتما في المحاكم بـ «قضية»..

جرب فقط أن تخبر أحدهم بأنك لا تطرب لسماع صوت أم كلثوم، أو أنك لست من محبي المقرئ الفلاني، قل لهم مثلا إن كوميديا عادل إمام لا تضحكك أو أنك تسمتع بمهارة ميسي أكثر من استمتاعك بمهارة ابننا محمد صلاح.. جرب وادعيلي.

Advertisements
الجريدة الرسمية