رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رزق اللغة


اللغة كائن صعب الترويض، فالنقش على الماء أسهل من تطويع اللغة، والتمكن من شواردها. فهي ليست أصواتا يعبر بها كل قوم عن أغراضهم فحسب، بل هي كلمة والكلمة روح، لذلك أراها كائنا حيا ورزقا كالبنين، فالله يرزق مَنْ يشاء ويجعل من يشاء عقيما بلا رزق، فاللغة تحتاج كما يحتاج البنون إلى سبل العيش كي يقوى ويتمكن في الأرض.


إن ربط اللغة بالرزق كالإنجاب والعقم، يعكس دلالة أن أمرنا منها ليس بيدنا، إنما أمرها فتح عرفاني؛ فهو رزق لا يهبه الله لأي ضال، ولا لنا حيلة فيه ولا احتيال عليه. ربما ننجح في الاحتيال ونتمكن بعض الشيء من علم اللغة وقواعدها، فهذا هو المتاح منها. أما سرها المكنون ومشربها المعسول ونفحة خلودها حين تسري بالروح البشرية، فهذا لقلة من المغامرين!

الخوض في بحر حركاتها الساكنة قبل المتحركة، والحديث مع ضمائرها والعراك معهم ومعهن. أن تذهب مع الأفعال وتلبس لباسهم، وألا تظل في أزمانهم. تتمرقع مع مفاعيلها وتفرط في الصفاقة والحماقة والتسكع، وتخلع عنك الخيش والطيلسان. تتحرر في محرابها بغية أن تدرك جبل المعنى في الملفوظ.

بدون ما سبق، لن تنال رزقها في فهم إشاراتها ورموزها. لن تقدر على حمل أدواتها المعرفية، فهي وسيلتنا الوحيدة للبقاء في قلوب وعقول وأرواح من نحب، لذلك اللغة هي حروف، وهي التي امتحننا بها الله في حروف بدايات سُورِهِ المقدسة، وطالب علمها عليه أن يسعى إليها لخطبة يديها! نعم اللغة سر من أسرار الجمال الأزلي، هي رقة الجمال وعنفوانه.

وأقول إن اللغة تذوق، ولا يتذوق الجمال البخيل ولا يدرك معناه المقدس، فتزول النعمة، وتبور الجميلة على غصنها في انتظار من يحي مفردة الجمال ويجعلها جملة اسمية معروفة باسم صاحبها، فلماذا لا تكون أنت صاحبها؟! ستكون إن أدركت معنى تقديس اللغة حينها ستنال رزقها. وطَالبُ الحق الشاطر هو وحده من يمتلك موهبة اقرأ، لذلك قال الله في فتح لغته لرسولنا الكريم بـ" اقرأ" قبل أي أمر أو نهي. وكذلك هو شرط أي لغة لكي تتعلمها فعليك أن تدرك فعل أمرها بـ"اقرأ"!

هذا الشرط المعرفي نجهله، ونخوض بجهالة في صخر اللغة لنبطح قلوب من حولنا بأغلظ المفردات. وننسى أن اللغة هي وسيلتنا الوحيدة للبقاء في قلوب وعقول وأرواح من نحب. ومن هنا وجب أن نتخير لغتنا حتى لا نلوم قطيعة البشر أو غباء الألسنة وقسوة عقاب القدر في عقم لغتنا.
فلا تستهينوا بمكر (ن والقلم وما يسطرون)...

Advertisements
الجريدة الرسمية