رئيس التحرير
عصام كامل

رزق الرحمة


امرأة تقتل طفليها غرقا، ورجل يقتل ابنه، وزوجة تخنق حماتها، وأشلاء أطفال في القمامة على نواصي الشوارع المصرية. لهجة الدم ورائحة العقوق والعطن الأسري وصديد العلاقات الطافح بين الإخوة والأقارب والأهل والجيران. للأسف ليس ما سبق خيالَ مبدعٍ أو غضبة ناقد، إنما هو واقع اجتماعي منشور في أخبار الصحف اليومية.


إن رزق الرحمة الرباني جسر مفتقد بيننا، ولعله سبب للشقاء والخواء النفسي الذي نعيشه؛ لشيوع تجسيد أدوار التقوى وفرض مظهريتها على الآخرين الأضعف في محيطنا. لذلك يعد التواصل الإنساني أهم أنواع رزق الرحمة بين البشر. وإن أعلى درجات هذا الرزق هو التعارف والمعرفة بين الخلق دون حرب أو إرهاب نفسي.

على مر تاريخ المصريين القدماء نراهم شغوفين بالتعارف والعشرة والمحبة والتراحم فيما بينهم واحتواء الغريب مهما كانت ملته. إذن ماذا حدث؟ لِمَ كل هذه القطيعة والجفاء والأنانية والاستغلال؟ البيئة التي نعيشها زاعقة بكل مُضرّ ومدمر للباقي من ضمائرنا.

من هنا وجب المحافظة على إنسانيتنا بلا "حنجلة"، أو فرض رأي باسم المودة، أو الوصاية، أو استصغار الآخر. فهذا لا علاقة له بالمحافظة على الإنسانية، بل يظهر الجانب البارد والمزيف في إنسانيتنا. إذن علينا أن نسمع صراخ القريب الموجوع والبعيد المسكين أو الضعيف قليل الحيلة، فويل لضمير لا يصغي إلى صراخ مكتوم في قلوب من حوله. فالحذر كل الحذر من تبديل مواضع الفاعل والمفعول!

عادة تنحصر نتائج فقدان رزق الرحمة في عقوق، أو قطع رحم أو صحبة، أو طلاق أو خلع اجتماعي، أو سياسي. ويوم أن يصبح المفعول فاعلا إياك أن تكون مثلهم سراقا ذباحا للرحمة. تلك هي وصفة الرحمة ألا تكون مثلهم.

ما حدث من سوء في مجتمعنا هو موت الرحمة في بعض القلوب، فقد حان آن نتعلم كيف نسأل ونقرأ عن باب إحياء رزق الرحمة. ربما ننول بركتها حتى يكتمل وعينا الإنساني بلا شوائب. فعندما كنا نقتات من هذه البركة كانت مصر أجمل حضارة وما زالت آية قرآنية ببركة فيوض رزق الرحمة بين المصريين.

هيا، نسعى في طلب رزق الرحمة ونجتهد في فتح مغاليق أبوابها في القلوب والعقول من غير تصنع ولا زيف ولا مَنٍّ، ولنسأل الله أن يهبنا مفتاح رحمته لنصوم ونبتعد عن زيف التسلف والنقل ليعي العقل ويتحرر بـ (اقرأ) وأن يكون فطورنا وسحورنا من صحن (ن والقلم وما يسطرون).
فلا تستهينوا بمكر (ن والقلم وما يسطرون)...
ورمضان كريم...
الجريدة الرسمية