رئيس التحرير
عصام كامل

حين هتف الشيطان: "أبو حلاوة يا تين"


قبيل فجر أول أيام رمضان بنحو ساعة أو أكثر قليلًا، نادى الشيطان أحد أبناءه ودار بينهما هذا الحوار:

- بني

- نعم أبتاه

- هذه آخر ساعة لنا قبل أن نسلسل مدة شهر كامل


- أعرف يا أبي

- إذن جهز نفسك لتنجز خلال هذه الساعة ما يكفي لشهر مقبل..

في لحظتها غادر الشيطان الصغير تلك المغارة التي يعيش فيها مع أبيه الشيطان الأكبر، وانطلق إلى الأرض في سرعة البرق، وهو يفكر في أي الأعمال يمكنه أن يقوم بها ليحقق «التارجت» الذي وعد أباه أن ينفذه، فقال في نفسه: إنه إذا أغوى امرأة جميلة وجعلها تسلك طريق الفاحشة فهل يكون ذلك إنجازا يحسب له ويوضع في الـ«سي في» ليتباهى به وسط أقرانه الشياطين؟، وكذلك إذ نجح في إقناع شاب بأن يفوت الصلاة في المسجد أو حتى لا يصليها بتاتا، فلن يكون ذلك ضمن الأعمال «السوبر» التي من شأنها أن ترفع قدره بين بني جلدته..

عدّد الشيطان الصغير الكثير من المهام التي يمكن أن يقوم بها، لكنه في كل مرة كان يصل إلى النقطة نفسها، وكأنما يدور في دائرة لا تنتهي، إلى أن هداه شيطانه –نعم فللشياطين شياطين توسوس لها– إلى أن يغوي رجلا في مرحلة الشيخوخة، شريطة أن يكون واحدا من العباد الزهاد الذين باعوا دنياهم بآخرتهم.. رجلا تقيا.. صالحا.. لا يفوت فرضا ولا يرتكب معصية..

فتح الشيطان الصغير جهازا صغيرا يشبه «الجي بي إس» ليبحث عن ضحيته المنتظرة، فإذا بالجهاز يشير له إلى منطقة جبلية في صحراء مقفرة لا زرع فيها ولا ماء، فتوجّه من فوره إلى المكان المرصود..

كان المكان مجرد كهف صغير بعيد كل البعد عن الناس، وفيه شيخ يعيش على فتات الخبز المتساقط من الطير، وقطرات الماء التي يجمعها كل صباح من الندى المتناثر على أوراق الصبار المنتشرة في المكان..

كان الرجل حامدا شاكرا لا يتبرّم ولا يشكو.. بل راضيا بحاله..

تسلل الشيطان إلى الكهف فوجد الرجل يصلي، فحاول أن يخرجه من الصلاة موسوسا له أن خطرا يقترب منه، لكن الرجل العجوز واصل صلاته دون اكتراث بالأمر..

قال الشيطان لنفسه:

-لا بأس، سينتهي الرجل من صلاته وبعدها أجعله يكفر بنعم الله، وبهذا أكون قد حققت المراد وأرضيت أبي!

انتهى الرجل من صلاته، ثم اقترب من صندوق خشبي كبير في ركن بالكهف، وأخرج منه جهاز "تليفزيون" صغير، وضعه على الصندوق وأوصله ببطارية صغيرة، فأضاءت شاشته، وبعد محاولات من الرجل نجح في اصطياد إحدى المحطات وبدأ متابعة نشرة إخبارية..

وقتها كان الشيطان يستعد للوسوسة، إلا أن خبرا في النشرة لفت انتباهه، فراح يتابع المذيع وهو يتلو الخبر تلو الآخر:

- سيداتي آنساتي سادتي، أهلا بكم في نشرتنا الإخبارية الأخيرة قبل رمضان المبارك، كل عام وأنتم بخير، إليكم عناوين الأخبار: إرهابيون يُسقطون طائرة تحمل على متنها 367 راكبا، متطرفٌ يقتل أكثر من 50 مصليا في مسجد بنيوزلاندا، عدد ضحايا التفجير الانتحاري في أحد مساجد العراق يتجاوز الـ 200، ارتفاع عدد ضحايا تفجيرات كنائس سريلانكا إلى 290 قتيلا و500 مصاب، تسمم مئة أسرة بعد تناول أفرادها فسيخا فاسدا في شم النسيم، رجل يقتل زوجته وأطفاله الثلاثة، هروب موظف بعد استيلائه على أموال تبرعات لصالح الغارمات، سيدة تقتل زوجها وتطبخ جثته، اغتصاب رضيعة، رجل وزوجته يحتجزان ويعذبان أبناءهما في قبو منزلهما نحو 30 عاما..

لم يتمالك الشيطان نفسه، فانزوى في ركن بالكهف وأفرغ ما في جوفه، ثم استعاذ بالله من الإنسان، ولملم أشياءه وهو يتمتم:

- سأعود إلى أبي لأقدم استقالتي.. كيف لي أن أجاري الإنسان.. استغفر الله العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله!!

انتهت قصتنا، إلا أن أحدا لا يعرف كيف انتهى المطاف بالشيطان، فأحدهم يقول: إنه جن وبات مشردا يسكن تحت كوبري الملك الصالح يهذي نهارا، ويشد "الكلّة" ليلا، وآخر أقسم أنه رآه يبيع عطورا مركبة في الحسين، بينما ثالث يؤكد أنه بنفسه شاهد الشيطان الصغير يجر عربة صغيرة يبيع عليها التين الشوكي وهو ينادي بأعلى صوته: أبو حلاوة يا تين!!

الجريدة الرسمية