رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عبد الرحمن الدوسري: الغاية الكبرى


في مجلة "التربية الإسلامية بالسعودية"، رمضان عام 1385 هـ، كتب الشيخ عبد الرحمن الدوسري مقالًا عن الصوم، قال فيه:

"أول آية في حكم الصيام تقرر فيها الحكمة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، على اختلاف أنواعها، وهي "التقوى" لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام، كما كُتب على الذين من قبلكم....".


والتقوى هي التي تنشأ من الإيمان بالغيب الذي يستيقظ به الضمير، وهي التي تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، وتشحذ الذهن وتدفعه إلى التفكير في الحكم البالغة من تشريعات العليم الخبير، جل وعلا.. فيلتزمها المسلم ويرعاها حق رعايتها لتطبيقها على تمامها.

إن سر ختام آية الصيام بالتقوى هو أن إعداد نفوس الصائمين لتقوى الله يظهر من وجوه كثيرة، وأظهرها أثرا وأعلاها شرفًا.. إن الصيام أمره موكول إلى نفس الصائم وضميره، لا رقيب عليه فيه إلا الله، يلتزم الأمانة في حفظ الصيام ومواصلة ذلك شهرًا كاملًا عن تقوى ومراقبة وحياء من الله عز وجل.

الصيام، يا عباد الله، تهذيب لا تعذيب، فإذا لم يؤت ثمراته فليس النقص منه، إنما النقص هو من تصرف الصائم، وعدم صحة قلبه وعدم حسن تفكيره.

ومن هنا وجب أن يكون الصوم عن إيمان واحتساب وضبط وتعظيم لشعائر الله، لا عن تقليد ومسايرة، كصوم من يصوم، ويتوجع ويقتل أوقاته بالنوم والبطالة، ويتمنى سرعة انقضاء رمضان، كأنه ليس محسوبًا من عمره، ولا فيه زيادة لأجره.

إذًا الغاية الكبرى من الصوم هي التقوى بجميع معانيها، وهي، في اللغة، مشتقة من التوقي.. ففي الصوم يتوقى المؤمن من المعاصي والآثام فيأخذ لنفسه وقاية من عذاب الله.

وفي الصوم يعظم إحساسه وتقوى عزيمته على حمل رسالته والقيام بواجب وظيفته لله في أخذ القرآن بقوة والدفع به إلى الأمام ليصلح بوحي الله ما أفسده المبطلون في مشارق الأرض ومغاربها.

إنه ينقذ الناس من الظلم والاستعباد والانحلال.. أي يأخذ بأسباب الوقاية التي تقيه من غضب الله وعذابه وتسليط أعدائه بسبب تفريطه بواجبه أمام الله مندفعا بما يكسبه الصيام إياه من قوة الإرادة وطهارة الروح.

فمن من حكمة الصيام وفوائده العظيمة تقوية الإرادة في النفوس، وما أحوج المسلم إلى قوة الإرادة وصدق العزيمة؛ لذا أمره الله أن يتحمل المشاق في الحج ومكابدة ألم الجوع والعطش في الصيام.

لذلك فجدير بالصائم ألا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه القوة أو يوهنها، أو يقلل من شأنها فيهدم في ليله ما بناه في نهاره من قوة الإرادة التي صبر بسببها عن محبوباته.

وما أحرى لو اسْتغل شهر رمضان كمدرسة يتدرب فيها على هجر ما يكرهه أو ما يكرهه الشارع من مألوفاته التي اعتاد أكلها وشربها.

تالله حبذا لو واصل هذه الحمية عن ذلك بالليل، كما واصلها بالنهار، وإن هو عكس الأمر، وتأفف على ما حرمه منه الصيام، ويتلهف لساعة الإفطار للإسراع إلى تناول مألوفاته بنهم، فقد ضيع الحزم والعزم، وبرهن على ضعف نفسه وقلة ضميره، وإنه لم يستفد من صيامه، ولم ينجح في مدرسة مولاه التدريبية.
Advertisements
الجريدة الرسمية