رئيس التحرير
عصام كامل

محمد التابعي يكتب: أفطرنا أنا وأم كلثوم على بصلة


في مجلة "آخر ساعة"، وبالتحديد في رمضان عام 1940، كتب الصحفي محمد التابعي، "ولد في مثل هذا اليوم 18 مايو من عام 1896، ورحل عام 1976"، مقالًا قال فيه:


"اتفقت مع الآنسة أم كلثوم على أن نفطر سوا اليوم ووافقت. ذهبت إلى دارها فلم أجدها، واضطررت أن أفطر على بصلة.. أقصد أن أفطر في الشارع.

وفي الساعة السابعة والنصف، أي بعد الإفطار، اتصلت بأم كلثوم لأعاتبها، فراحت هي تعاتبني، وتؤكد أنها فهمت من حكاية "نفطر سوا" أنها ستفطر عند التابعي، في منزله.. ولما حضرت ولم تجدني اضطرت أن تفطر على بصلة أيضًا في بيتها.

فورًا نزلت من بيتي، وذهبت إلى أم كلثوم، وقادني الخادم إلى غرفة الصالون بحجة الكارت بوستال، ويظهر أن الخادم أخطأ في ذكر اسمي، لأن أم كلثوم حضرت بعد دقيقة واحدة، مع أنها تعودت أن تلطعني ساعة أو نصف ساعة في الانتظار.

المهم جلسنا نتحدث حديثًا لم توافق أم كلثوم على نشره.. وإن كانت سمحت بأن أنشره بعد وفاتها أو وفاتي أنا زي بعضه.

والحديث لذيذ جدًّا، ولا شك في أن القراء يتمنون أن يقرأوه قريبًا.

كلما رأيت أم كلثوم شعرت بالكثير من الفخر أن تستطيع فتاة مصرية فلاحة أن تصل إلى ما وصلت إليه.. أن تخط لنفسها طريقًا للمجد، وترتفع درجات هرم الشهرة درجة درجة، فلا تنزلق مرة واحدة.

كما شعرت بالسعادة أن أرى امرأة غير مغرورة تعرف أنها في حاجة دائمًا إلى أن تتعلم، وإلى أن تزداد خبرة ودراسة ومرانًا.

وليس سر عظمة أم كلثوم، في صوتها، فهذه هبة من الله، وإنما في شخصيتها القوية.. في أن الفتاة الساذجة الريفية تستطيع أن تجالس الوزراء، وتحدثهم أحاديث الوزراء، وتجالس النساء فتتكلم عن الموضة والأزياء، وتجالس التلاميذ فتتكلم عن المبتدأ والخبر، وصيغة منتهى الجموع، وتجالس الموظفين فتحدثهم عن تعديل الدرجات.

هي في كل مجلس تعرف ما يقال ومالا يقال، وتفهم عقلية هؤلاء وهؤلاء، بينما أنا أعرف عظماء معينين تنزلق ألسنتهم بألفاظ السوقة في مجالس الكبراء، ويتحدثون بكلام الكبراء في مجالس الصعاليك.

كان معي صديق يرى أم كلثوم لأول مرة.. وكان صديقي معجبًا بها مدهوشًا، فقال لها:

إني أريد أن أتبناكِ.. اجعلكِ ابنتي الوحيدة، فضحكت سومة، وقالت: يعني عاوز تقول لي يا بنت الكلب.. بالذوق؟!
الجريدة الرسمية