رئيس التحرير
عصام كامل

عبد العزيز البشري يكتب: تقاليد رمضان الطيبة

الكاتب الساخر عبد
الكاتب الساخر عبد العزيز البشري

في مقال نشر بمجلة "المصور"، عام 1941، كتب الكاتب الساخر عبد العزيز البشري، الذي ولد في نهاية القرن الـ18 ورحل عن عالمنا عام 1943، مقالا بمناسبة قدوم رمضان الكريم، قال فيه:


"كانت لنا في رمضان تقاليد طيبة تفيض بالخير والبر والجمال، كان السراة "الأثرياء" يفتحون بيوتهم كل مساء للسهر والسمر، ويتنافسون في جذب المشاهير من القراء والمنشدين، وتدور الأكواب من المرطبات وأطباق الحلوى.

والآن، لقد أتى الشهر الكريم، وتحولت القاهرة والإسكندرية، وسواهما من الحواضر الكبرى إلى كتل من النور في غرفها، وعلى رءوس الأبواب، ثم في الشوارع من المصابيح العامة.

يتجول الأطفال في الشوارع، منشدين مغنين "وحوي ياوحوي".. "بنت السلطان إياحة.. لابسة القفطان إياحة".

يجيء الدور على المساجد في الليل، فصلاة العشاء، ثم التراويح، ثم التواشيح البديعة، يتغنى بها كل من يرتادها، حتى المؤذنون، فرادى وجماعات.

فهناك حلقات الدرس، وتفسير كتاب الله، وليسمعوا صوت أشهر قراء الحي، ناهيك بالشيخ حنفي برعي في مسجد السيدة فاطمة النبوية، والشيخ أحمد ندا، في مسجد السيدة زينب.

ويسهر الجميع حتى السحور في حديث سمر، ويجيء موكب المسحراتي:

فنان رمضان الشعبي، يحيط به الأطفال بفوانيسهم الملونة يغنون، وينشدون على دقة طبلة المسحراتي التقليدية.

يا أمة خير الأنام، ومصباح الظلام، ورسول الله الملك العليم العلام.. تقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وصالح الأعمال.. اصحى يانايم، وحِّد الدايم.

أما رمضان الذي نسمع عنه من أجدادنا، أو نقرأ عنه في الكتب القديمة، أصبحنا نقول عنه رمضان زمان.. أي أصبح لاوجود له.. فقد ندر في كل شئ بسبب طغيان سيل الحضارة، وطغيان عصر الكهرباء والإذاعة، وانقلاب حال البلاد والعباد.

فإذا كان الفانوس أشهر العلامات الرمضانية في مصر منذ عهد الفاطميين، اختفى هو الآخر، وظهر بدلًا منه تقليعات جديدة بعيدة كل البعد عن رمضان زمان، فحتى في الريف لم يعد أحد يعرف رمضان القديم إلا نادرًا بعد تغير شكل الحياة، وتغير طقوس رمضان ومظاهره معها بالمثل، وأصبح الجميع يسأل فين رمضان زمان.

اختفى عازف الربابة، منشد السير الشعبية الذي تربى عليه وجدان المصريين في القرى والنجوع في أحياء القاهرة التي اشتهرت بمقاهيها، حيث تختص كل مقهى بعازف ربابة يحيي ليالي رمضان، ويتزاحم الجمهور على المقهى لسماع نفحاته، بينما هو يجلس على أريكته مستريح النفس يحكي على ربابته حكايات عنتر وعبلة، وسيف ابن ذي يزن، وأبو زيد الهلالي سلامة، والزير سالم، وحمزة البهلوان.. هكذا بدأت تختفي وتتلاشى طقوس ومظاهر رمضان زمان حتى أصبحنا نبحث عن رمضان فلا نجده، ويكفي لنا فيه الصوم والصلاة.
الجريدة الرسمية