رئيس التحرير
عصام كامل

من صان صام


أيام قليلة ونستقبل بمشيئة الله تعالى شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والرحمة والبركات والمغفرة والعتق من النار، كما جاء في حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار"..


وهو الشهر الذي تصفد فيه الشياطين، وتغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، والله تعالى يعتق كل يوم سبعين ألفا من النار حتى إذا جاء آخر يوم فيه يعتق سبحانه وتعالى بعدد ما أعتق طيلة الشهر الكريم.

وشهر رمضان شهر الأمة المحمدية ففي الحديث: "رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي".. وشهر رمضان شهر البر والإحسان، فمن أفطر فيه صائما كان له مثله من الأجر ولو على شربة ماء، وهو شهر تهذيب النفس وتذكيتها والسمو بها عن العالم المادي، والارتقاء بها إلى عالم الروح..

وفيه إقامة ركن من أعظم أركان الإسلام وهو الصوم، وهو عبادة لم يعبد بها أحد غير الله تعالى، ولذا جاء في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم لنفسه إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".. هذا وقد جعل سبحانه وتعالى دعوة الصائم دعوة لا ترد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة دعوات لا ترد، دعوتك لأخيك بظهر الغيب، ودعوة الصائم عند فطوره، ودعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب".

ولقد كان من عظم هذا الشهر الكريم أن جعل سبحانه وتعالى الفريضة فيه بسبعين فريضة فيما سواه.. والصوم ليس كما يظن البعض أنه الامتناع عن شهوتي البطن والفرج من الفجر إلى غروب الشمس، وإنما هو صيانة القلب والنفس والجوارح بمعنى أن يضع العبد كل جارحة من جوارحه حيث أمر الله تعالى وأراد.. ولكل جارحة صيام، فجارحة العين صيامها في الغض عن الأعراض والمحارم.. وجارحة الأذن صيامها في تجنب التجسس والتصنت واستماع الغيبة والنميمة.. وجارحة اللسان صيامها في الإمساك عن شهادة الزور والكذب والغيبة والنميمة والقول الفاحش البذئ واشتغاله بذكر الله عز وجل.

وجارحة الأيدي صيامها في الإمساك عن السرقة والبطش والأذى وعن إن تمتد إلى شئ حرمه الله تعالى.. وجارحة البطن أن تحفظ من المطعم الحرام أو الذي فيه شبهة.. وجارحة الفرج أن تحفظ من الزنا واللواط.. وجارحة القدم في إمساكها عن خطوات المعاصي والسوء.. هذا بالإضافة إلى حفظ الصدر والقلب من الغل والحقد والحسد والغش والكراهية والضغينة..

ومن هنا نقول من صان فقد صام. فحقيقة الصوم صيانة القلب وحفظ الجوارح.. هذا بالإضافة إلى إطعام الطعام وجبر الخاطر والعطف على الفقراء واليتامى والمساكين والأرامل والمحتاجين..

عزيزي القارئ إن شهر رمضان فرصة عظيمة للصلح مع الله تعالى، والتقرب إليه فلا تفوتك هذه الفرصة، ولا تضيعها فلعلك لا تدرك شهر رمضان في العام التالي، وعليك أن تغتنم هذا الشهر الفضيل بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، وكثرة ذكره سبحانه وبالأعمال الصالحة من إطعام للطعام وجبر الخواطر ولو بكلمة طيبة، وإدخال السرور على أهل بيتك وجيرانك والمسلمين..

وعليك بقراءة القرآن وتدبر آياته ومعانيه والعمل بأحكامه وأوامره ونواهيه، وعليك بقيام ليله ولو بعدد قليل من الركعات، حتى تسعد بها عند اللقاء، وتدخل جنة ربك من باب الريان، وفقنا الله تعالى جميعا إلى ما يحبه ويرضاه.
الجريدة الرسمية