رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«الحياة حكايات».. نزار يكتشف علاقة زوجته بأبوعمار وعرض قلبه للبيع

نزار قباني و زوجته
نزار قباني و زوجته

تحمل حكايات الشاعر الراحل نزار قباني، نكهة خاصة ونادرة، قلما تجدها في حكاية تروى على أذنيك، فهو الشاعر الذي قاسم القصيدة جنونها وثورتها، وأعطاها من نفسه نزق الطفولة الأولى، وخضرة قلب الشباب.


وفي ذكرى وفاته الـ21 التي نحييها اليوم، نسرد 3 حكايات لنزار ما بين الحب والغرابة وسنوات الطفولة البعيدة، والتي رواها "نزار" في عدة مقالات مختلفة له، وتم إصدارها ضمن كتاب له يحمل اسم "والكلمات تعرف الغضب".

حكاية 1
«قلب نزار على شريط فيديو»
أهلك نزار قلبه بين دروب الشعر، فاضطر إلى إجراء عملية قلب مفتوح في أمريكا، ليرى في وجوه الأطباء اندهاشا من حالة قلبه النادرة، ويحكي نزار عن هذه الرحلة قائلا: غرفتي في مستشفى جورج تاون في واشنطن عبارة عن خلية نحل، الأطباء ومساعدوهم، والممرضات وتلاميذ كلية الطب، مهتمون جدا بقلب الشاعر، لأنه «قلب شكل تاني»، إنهم لم يروا من قبل قلب شاعر، ولم يعرفوا ما بداخله، كل واحد منهم يدخل عليّ، وفي فمه ألف سؤال يريد أن يعرف تاريخ قلبي، وتاريخ جسدي.. لقد قضيت الليلة الأولى في المستشفى خائفًا على اغتصاب أسراري، حتى إن صديقا عزيزا من باريس، طلب من إدارة المستشفى تليفونيًا، الحصول على نسخة من شريط الفيديو الذي سيأخذونه لقلبي مهما كان الثمن، هذا الصديق قال بعد ذلك في مجالسة خاصة: إن هذا الشريط لقلب نزار قباني هو أعظم صفقة في التاريخ، وبإمكانه أن يبيع مليون نسخة، في السوق السوداء، بل إن هذا الشريط سيبيع أكثر من كل دواوين نزار.

وعندما فتح الجراح الأمريكي قلبي في المستشفى، وجد أن ثلاثة شرايين فيه تستدعي التغيير، سأل معاونيه عن مهنتي، فلما أجابوه "إنه شاعر عربي"، تأمل قلبي المرتعش بين يديه كدجاجة مذبوحة، وقال بثقة العالم: "إنني لم أفاجأ"، وكأنه يريد أن يقول إن الشعر والعروبة يوصلان حتما إلى غرفة العمليات.. والحمد لله أن إدارة المستشفى رفضت هذا الطلب الخبيث من صديقي، وبقى شريط الفيديو محفوظا في أرشيف المستشفى.

حكاية 2
«عرفات وزوجة نزار»
يوم قتلت بلقيس تحت أنقاض السفارة العراقية في بيروت.. في هذا اليوم بالذات، أدرك نزار العلاقة الخفية التي لم يكن على علمٍ بها على الإطلاق والتي تربط زوجته "بلقيس" بالرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات".. ظهر أبو عمار فجأة في منطقة الخراب، كانت أمطار الحزن تغطي وجهه، وكانت عيناه تشتعلان كجمرتين، وكان يصرخ بصوت متهدج: أين أنت يا ابنتي؟ ردي على أبيكِ يا وردة؟ يا وردة الثورة الفلسطينية؟

وبقيت الوردة تحت الأنقاض 15 يوما، وكان أبو عمار يذهب كل ليلة، لينكش بين الحجارة والحطام ونظارات العيون والأهداب المحترقة، عن ابنته التي زوجني إياها دون أن يدري، وتزوجتها أنا دون أن أدري أن ياسر عرفات كان أباها، وخلال أربعين يوما كان ياسر عرفات يمد جناحيه الكبيرين علينا، ويقعد ساعات إلى جانب أم بلقيس، يلاطفها، ويداريها، ويواسيها، ويكفكف دمعها، ولا أنسى أبدًا نورانية وجهه، وحنان تعابيره، وهو يقدم لها لقمة الطعام بأصابعه، وكوب الماء بيده، محاولا أن يبدد غمامة الحزن عن عينيها، وينتزع الابتسامة من شفتيها بأي ثمن".

وعلى الطريق من الجامع إلى مقبرة الشهداء، كان أبو عمار يشد على يد نزار بقوة، وكانت بلقيس تختال بثوب عرسها الأبيض، فقد كان من أحلامها الكبرى أن تتزوج على هذه الطريقة، ويكشف أبو عمار السر لنزار، فيقول نزار: "عندما رجعنا من الجنازة إلى مكتب أبي عمار، بدأ القائد الفلسطيني يتكلم عن بلقيس الراوي، وبدأ اللغز ينكشف، فقال: "في مارس 1968، وكنا خارجين من معركة (الكرامة) جاءتني إلى منطقة الأغوار في الأردن فتاة عراقية فارعة القامة تجر وراءها ضفيرتين ذهبيتين، وطلبت مع زميلاتها في ثانوية الأعظمية للبنات في بغداد، تدريبهن على حمل السلاح، وقبولهن مقاتلات في صفوف الثورة الفلسطينية، وبالفعل أعطينا الفتيات العراقيات، ومن بينهن بلقيس، بنادق، وأخذناهن إلى ساحة الرمي حيث تعلمن إطلاق الرصاص، وأساليب القتال، وكانت الفتيات سعيدات بملامسة السلاح، وكنا سعداء بأن تنضم إلى الثورة الفلسطينية هذه الزهرات من أرض العراق".

ويتابع: "كتب لنا القدر أن نواصل نضالنا في لبنان، كما كتب لبلقيس أن تعمل في سفارة العراق في بيروت، وذات يوم، كنت مدعوا للعشاء لدى أحد الأصدقاء في بيروت، فإذا بالفتاة ذات القامة الفارعة، والضفيرتين الذهبتين، التي جاءتني متطوعة إلى الأغوار قبل عشر سنوات تدخل، وتدخل معها ذكريات نصرنا الجميل في (الكرامة)، وتصافحني بحماسة رفيق السلاح".

ويستطرد نزار: "والتفت إليّ أبو عمار، والدمعة عالقة بأهدابه، وقال: هل تعرف يا نزار أن الفتاة التي تزوجتها أنت، فيما بعد، هي رفيقة السلاح التي جاءتنا إلى الأغوار في مايو 1968، وأكلنا معها خبزًا.. وزيتونا؟ لذلك يا أخي يا نزار، نحن نشيعها كمناضلة فلسطينية وندفنها إلى جانب الشهداء الفلسطينيين، ونلفها بالعلمين العراقي والفلسطيني، تكريما للأرض التي أطلعتها، وللثورة التي نذرت نفسها لها، إن بلقيس الراوي لم تكن زوجتك، بقدر ما كانت ابنة الثورة الفلسطينية".

وينهي نزار حديثه، قائلًا: "هكذا تكلم أبو عمار، وفي اليوم الثاني، ذهبت إلى مقبرة الشهداء لأزور حبيبتي فوجدت على رخامة قبرها الكتابة التالية: "الشهيدة بلقيس الراوي استشهدت في 15 ديسمبر 1981، يا جبل ما يهزك ريح.. يا جبل ما يهزك ريح".

حكاية 3
«نزار وطفولة ممزقة»
طريق نزار قباني إلى مملكة الشعر لم يكن سالمًا من المتاهات التي وقع في فخها، فيسرد نزار حكايته في الطريق إلى القصائد ويقول: «في السنة العاشرة من عمري كنت أبحث عن دور مناسب ألعبه، كنت أشعر بأصوات داخلية تدفعني لأن أقول شيئا أو أفعل شيئا.. شهوة الكسر هذه أتعبتني وأتعبت أهلي.. طفولتي كانت مليئة بالأشياء الغريبة، فمرة أشعلت النار في ثيابي متعمدا لأعرف سر النار، ومرة رميت نفسي من فوق سطح المنزل لأكتشف الشعور بالسقوط، ومرة قصصت طربوش أبي الأحمر بالمقص لأني تضايقت من شكله الإسكواني، ومرة كسرت ظهر سلحفاة المنزل بالمطرقة لأعرف أين تخفي رأسها».

ويضيف: «في الثانية عشرة من عمري اجتاحتني حيرة لا شبيه لها، الرسم.. ربما كان هو قدري، وغرقت سنتين أو ثلاثة في قوارير اللون والصباغات والأقمشة، رسمت بالماء وبالفحم والزيت.. لم أكن رساما رديئا، ولكني لم أكن أيضا رساما جيدا، إذن فقد كان الرسم نزوة ولم تستطع لوحاتي أن تمتص ذبذبات نفسي، كنت أشعر أن اللون لا صوت له.. وأنه طفل جميل لكنه أخرس».

ويوضح: «في الرابعة عشرة.. سكنني هاجس الموسيقى، ظننت أن عالم الأصوات أرحب وأغنى، يستطيع أن يكون باب الخلاص.. اتفقت مع معلم للموسيقى وبدأت أتعلم المدرج الموسيقى، وفي الدرس الثاني شعرت أن "السولفيج" كجدول الجمع والطرح علم أبله، يستند إلى المعادلات والأرقام الحسابية، فرميت آلتي وقطعت أوتاري وسقطت في حيرتي من جديد».

ويتابع: «كانت تجربتا الرسم والموسيقى قد فشلتا وانتهتا بالخيبة، فإنهما لعبتا بعد ذلك دورا أساسيا في تكويني الفني، وفي تشكيل لغتي الشعرية، لقد كنت في المراحل المتقدمة من الكتابة أشعر أنني أرقص على الدفاتر ولا أكتب عليها».
Advertisements
الجريدة الرسمية