رئيس التحرير
عصام كامل

احتفالات ليلة شم النسيم على الطريقة البورسعيدية.. دمى «ألمبي» تغزو الشوارع.. محسن خضير: تناولت ظاهرة الطلاق وأثرها على المجتمع.. السعيد: مفاجأة العام فيلم تسجيلي عن جحود الأبناء

فيتو

«يا ألمبي يا بن حلمبوحة ده حكايتك صبحت مفضوحة»، ليست مجرد كلمات ساخرة ولكنها أغنية تراثية قديمة قدم المدينة الباسلة ومحافظات القناة، فتلك الكلمات الساخرة يتغنى بها أبناء محافظة بورسعيد في شم النسيم منذ أكثر من 90 عاما، وتحديدًا سنة 1925 عندما صنع أبناء المدينة الباسلة دمية كبيرة الحجم ليسخروا من خلالها بالجنرال «أدموند لنبي»، المندوب السامي البريطاني، فترة الاحتلال، وبعد تحريف الاسم لـ«ألمبي» لتصبح عادة احتفالية في كل شوارع بورسعيد كل ليلة شم نسيم على أغاني السمسمية.


صنايعيو الدمى
ومع توارث العادة أصبح هناك محال لصناعة تلك الدمية، ويقبل الأهالي عليها وتتحول شوارع بورسعيد في ليلة شم النسيم إلى كرنفالات حاشدة ضخمة في كل شارع في المحافظة بلا استثناء.

اكتسبت دمية «ألمبي» مكانتها لدى البورسعيدية ليس فقط لقيمتها التاريخية ولكنها بمرور الزمن تحولت لـ«ترمومتر» أخلاقي واجتماعي يرصد سلبيات المجتمع ويحاربها بحرق الدمى ليلة شم النسيم.


المنافسة
ويتنافس اثنان من كبار الفنانين التشكيلين في صناعة دمي الـ«ألمبي» وهما الفنان، محسن خضير، مؤسس صناعة الألمبي ببورسعيد وهو من عائلة خضير البورسعيدية التي حافظت على تراث الألمبي لعشرات السنين، والفنان الموهوب محمد السعيد الذي نجح في السنوات الأخيرة في أن يكون محط انتباه بفنه وفكره المتجدد كل عام في عالم الـ«ألمبيات» وصناعة الدمى والذي أضاف لها الكثير.

محسن خضير
في تقاطع شارعي نبيل منصور نبيل منصور وأوجيني بحي العرب، تقع ورشة مؤسس دمى «ألمبي» الفنان محسن خضير الذي اختار أن تكون ظاهرة انتشار الطلاق مجسمة لهذا العام رافعًا شعار «الطلاق دمر الأسرة المصرية».


الطلاق آفة المجتمع
وعن سبب اختياره لتلك الظاهرة قال خضير: «أنا ورشتي تقع بجوار مأذون شهير جدا ببورسعيد، ويوميا أرى العشرات من قصص الطلاق والانفصال ببورسعيد وللأسف أجد شبابا من الجنسين لم يكملا الثلاثين عاما وينفصلان».

وتابع: أغلب شباب بورسعيد بمجرد «كتب الكتاب» يتقدمون بطلب سكن في مشروعات الإسكان ولكن بعد فترة تحدث مشكلات تؤدي إلى الانفصال.

واستكمل خضير: من هنا جاءت فكرة مسرح الـ«ألمبيات» الخاص بي هذا العام والذي سيكون أمام ورشتي وسيناقش مشكلة الانفصال على المجتمع المصري والذي أصبح خطر التشتت الأسري يهدد الأسرة المصرية وينتج أطفال غير أسوياء.


مراحل التصنيع
وعن كيفية صناعة تلك الدمى قال الفنان التشكيلي حسن خضير: «تصنع دمى الألمبي من الفوم الأبيض، والكرتون، ومادة تشبه المعجون والنشا، والهيكل الداخلي لتلك الدمى من الحديد والأسفنج، ثم يتم دهان الوجه من الخارج بالبويات، وفي النهاية ترتدي الدمى الملابس وباروكة الشعر ليظهر الشكل طبيعي في النهاية».


مسرح محمد السعيد
وفي نفس الحي تحديدًا بشارع الدقهلية، توجد ورشة الفنان محمد السعيد، الذي قرر تناول إحدى الظواهر السلبية في المجتمع، قائلًا: «اللي مالوش خير في أهله مالوش خير في حد».


جحود الأبناء
وتابع السعيد، أن دمي الألمبي هذا العام تناقش ظاهرة سيئة ظهرت في المجتمع، وهي ظاهرة جحود الأبناء للآباء والأمهات وتركهم في دار المسنين أو إهمالهم وعدم السؤال عليهم بمجرد وصولهم إلى سن الكهولة.

واستكمل أن الكثير من المسنين يعانون في أواخر عمرهم من إهمال أبنائهم لهم، قائلًا: «جائتني الفكرة عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة حماية المشردين في الشوارع فبحثت لأجد أن الكثير منهم مسنين تركهم أبناؤهم دون مأوى».

وأشار السعيد إلى أنه زار عددًا من دور المسنين للتعرف عن قرب على قصص ومآسي المسنين الذين تركهم أبناؤهم.
ولفت الفنان التشكيلي محمد السعيد: «من خلال دمي الألمبي على المسرح الخاص بي هذا العام قمت بعمل مشهد ساخر لعائلة تسمى «ترتر» تقوم بتقسيم الميراث على قبر والدهم بمجرد وفاته بعدما تركوه في فترة مرضه فترات طويلة دون رعاية».


فيلم تسجيلي
وكشف السعيد عن مفاجأة في احتفالية هذا العام من خلال فيلم تسجيلي سيتم عرضه على شاشة عملاقة أمام المسرح لتاريخ بورسعيد كاملا وكل الأماكن السياحية المهمة فيها، وذلك لأن في تلك الليلة يزور المحافظة زوار كثيرون من محافظات مختلفة، كما يصاحب العرض أغاني سمسمية تراثية مصاحبة لاحتفالية.

واختتم الفنان التشكيلي الموهوب محمد السعيد: «قمت بكتابة نص الموضوع منذ 3 شهور ليكون إخراج المسرح مختلف، سيتم تقسيم المسرح إلى 3 أجزاء كل جزء يتكلم عن شق في مشكلة الجحود، وسيكون هناك لافتات على الدمى لشرح القصة بشكل ساخر خلال الأجواء الاحتفالية».

تاريخ ألمبي
ففي كل عام في ليلة شم النسيم تتميز محافظة بورسعيد بطقوس مختلفة وهي احتفالية «الألمبي» وهي تعود لواقعة وصول المندوب السامى البريطانى اللورد «إيدموند ألنبى» إلى بورسعيد عام 1925 عن طريق ميناء بورسعيد، فاستقبله أهل المدينة بصنع دمية كبيرة من القش تشبهه كثيرا للتهكم عليه والسخرية منه، وكانت الدمية ترتدى الزى العسكري ورتبته العسكرية وتم حرقها بالنار أمامه.

ومن وقتها أصبحت دمية الألمبي وسيلة تعبير عن إحساس أهل بورسعيد بالظلم والقهر في ليلة احتفالات شم النسيم ويتم انتقاد بها أيضا الظواهر الاجتماعية السلبية أو الرموز السياسية الفاسدة، ولكن تطورت العادة مع مرور السنوات، وبدأ كل بيت ببورسعيد تنفيذ "دُمية" خاصة بهم يحرقوها مع نغمات السمسمية، ولكن مع دخول الغاز الطبيعى لبورسعيد اختفت الحرائق تدريجيًا وتحولت العادة لمسرحي "خضير" بشارع أوجينى ونبيل منصور ومسرح "محمد السعيد" بشارع الدقهلية.
الجريدة الرسمية