رئيس التحرير
عصام كامل

عباس مدنى.. وفاة «جزار» الجزائر في منفاه الاختياري بقطر

عباس مدني
عباس مدني

أعلنت وسائل إعلام جزائرية، اليوم الأربعاء، عن وفاة عباسي مدني، مؤسس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومهندس العشرية السوداء، في العاصمة القطرية الدوحة منفاه الاختياري، بحسب ما أعلنت عنه قناة المغاربية.


ولد عباسي مدني في 28 فبراير 1931، في سيدي عقبة بولاية «بسكرة»، وتعلم على يد والده مبادئ الدين، وتخرج في مدارس «جمعية العلماء المسلمين»، كما درس بالمدارس الفرنسية في صغره، إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، وحصل على إجازة الفلسفة عام 1970، وشهادة دكتوراه في الجزائر، ثم شهادة دكتوراه دولية من بريطانيا في علوم التربية بين 1978.

مارس مهنة تدريس علم النفس التربوي بكلية العلوم الإنسانية في جامعة «بوزريعة» بالعاصمة، وحارب عباسي الاحتلال الفرنسي خلال الخمسينيات من القرن الماضي، وكان عضوًا في المنظمة السرية التي فجرت الثورة الجزائرية، واعتقل في 11 نوفمبر الثاني 1954، وقضى في السجن سبعة أعوام، وبعد الاستقلال انضم إلى حزب جبهة التحرير الوطني.

برز كواحد من وجوه التيار الإسلامى في الجزائر خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ومارس النشاط الدعوي والسياسي متأثرًا بفكر الكثير من المفكرين، مثل، عبدالحميد بن باديس ومالك بن نبي، وأنشأ «مدني» عام 1963 جمعية «القيم الإسلامية»، التي حظرها الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1970.

وألقت السلطات الجزائرية عليه القبض في 1982، على خلفية ما يعرف بأحداث الحي الجامعي، في «بن عكنون» بالجزائر العاصمة، حيث شارك بالتجمعات في النداء الذي وجهوه إلى الحكومة، مطالبين بالإصلاح وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبعد الإفراج عنه واصل نشاطه مع بعض الدعاة والعلماء تحت رابطة الدعوة الإسلامية التي كان يرأسها أحمد سحنون.

وبعد إقرار التعددية السياسية في البلاد بموجب دستور 1989، أسس وعدد من رفاقه الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي الحركة التي بدأت تقلق السلطات الجزائرية مطلع التسعينيات، فقد حددت خطها الفكري في مذكرة قدمتها إلى رئيس البلاد «الشاذلي بن جديد» في السابع من مارس 1989، تتضمن مبادئها وبرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، زاعمة أنها تسعى إلى إقامة نظام حكم مدني تعددي يرتكز على مبدأ الحاكمية لله والسلطة للشعب، وإقامة دولة مستقلة عادلة على أسس الإسلام.

ألقي القبض على «عباسي مدني» في 31 أغسطس 1991 من مكتبه بمقر الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالعاصمة، وفي 16 يوليو 1992 حكمت عليه المحكمة العسكرية في البليدة بالسجن 12 عامًا بعد إدانته بالمس بأمن الدولة.

وفازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي جرت في 21 ديسمبر 1991، على الرغم من اعتقال زعيمها عباسي مدني، لكن إلغاء الانتخابات فجر العنف في البلاد.

وفي 15 يوليو1997 أطلقت السلطات الجزائرية سراحه مع الرجل الثالث في الجبهة «عبدالقادر حشاني» الذي اغتيل لاحقًا في 22 نوفمبر 1999، وفي الأول من سبتمبر من نفس العام وضع «مدنى» قيد الإقامة الجبرية حتى أفرج عنه هو ونائبه «على بلحاج».

في 23 أغسطس 2003 سمح له بمغادرة البلاد لتلقي العلاج في ماليزيا ثم قطر، ومنعت السلطات الجزائرية قياديي الجبهة مدني وبلحاج من ممارسة أي نشاط سياسي، بما في ذلك حق التصويت أو الترشيح في أي انتخابات.

في 13 نوفمبر 2003، أعلن «مدني» «المبادرة الشعبية الوطنية لحل الأزمة بالجزائر» لإنهاء العنف والخروج بالبلاد من أزمتها السياسية والاجتماعية، مؤكدًا أنها مبادرة جماعية تجمع الشعب الجزائري وكل من له استعداد للمشاركة فيها.

كان طموح «مدني» مؤسس الجبهة، أن يكون زعيمًا روحيا للبلاد، فأسس وترأس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي تصدرت نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية مطلع التسعينيات، وفي يناير 1992، وعقب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية في عام 1991، التي حققت فيها الجبهة فوزًا، حرض عناصر الجبهة والشعب الجزائري عامة على حمل السلاح والخروج على الجيش الجزائري، بعد إلغائه نتائج الانتخابات لتدخل الجزائر في ذلك الوقت ما عُرِف بـــ«العشرية السوداء».

ومن ثم، أعلنت الحكومة الجزائرية حالة الطوارئ في فبراير 1992، وألقي القبض على الآلاف من عناصر الجبهة، وبدأت حملة مطاردة واسعة لمن بقي من كوادرها خارج السجون، وعرفت في ذلك الوقت بـ«العشرية الحمراء» كناية عن حمامات الدم التي دخلت بها البلاد.

واحتضنت قطر عباس مدنى، حتى أعلن عن وفاته اليوم في العاصمة الدوحة، التي عاش فيها حياة رغدة، في مبنى فخم بوجوده مع أفراد عائلته، وكان يتقاضى راتبًا يقارب 15 ألف دولار، كهبة من أمير قطر، وحصل أحد أحفاده على الجنسية القطرية، ويلعب حفيده بمنتخب قطر لكرة اليد.
الجريدة الرسمية