رئيس التحرير
عصام كامل

القوى الخارجية تتلاعب بالجميع على الأرض الليبية!


لقد تعرضت ليبيا العربية إلى مؤامرة حقيقية بهدف تقسيمها وتفتيتها والاستيلاء على ثرواتها، منذ أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية وكيانها الصهيونى إشارة البدء للربيع العربي المزعوم في مطلع العام 2011، وليبيا العربية بدأت الحرب عليها مبكرا جدا وقبل انطلاق هذا الربيع المزعوم بسنوات طويلة. 


فالتوجهات القومية العروبية الوحدوية لقائدها معمر القذافي لم تكن لتعجب الإمبراطورية الأمريكية الاستعمارية، وتمدد أدوار ليبيا في أفريقيا كان يزعج الغرب الاستعماري بشكل كبير، فكانت التهديدات والعقوبات الدولية والحصار الاقتصادى والحظر الجوى هي سلاح أمريكا والغرب ضد ليبيا العربية وقائدها معمر القذافى.

وحين اشتعلت نيران الربيع المزعوم كانت ليبيا أول من احترق، وبأيدى الجامعة العربية التي وافقت على قرار غزو ليبيا بواسطة الآلة العسكرية الجبارة لحلف الناتو، وكان الصمود الأسطورى للشعب العربي الليبي وجيشه وقائده والذي استمر لثمانية أشهر كاملة قامت القوات الغازية خلالها بتنفيذ أكثر من 26 ألف طلعة جوية، وكانت النتيجة الحتمية هي اغتيال القائد الشهيد الذي رفض الاستسلام وظل يدافع عن وطنه حتى الرمق الأخير، وفضل الاستشهاد على الاستسلام والتسليم للعدو الغازى.

ولسنا في حاجة الآن لتأكيد أن كل عوامل الثورة المزعومة لم يكن لها أي مبرر في المجتمع الليبي، الذي كان متوسط دخل الفرد فيه من أعلى متوسطات الدخول في المنطقة العربية، وكان يتميز بتوافر كل سبل العيش الكريم والعدالة الاجتماعية بل والرفاهية للغالبية العظمى من المواطنين حتى في ظل الحصار الاقتصادى الرهيب والطويل..

كانت ليبيا دائما حاضنة فعلية لكل العرب وفى مقدمتهم الشعب المصرى، فكما كانت العراق حاضنة وبكرامة للعمالة المصرية كانت ليبيا أحد أهم الدول العربية التي فتحت أحضانها للمصريين، فكان بها ما يقرب من 2 مليون مصرى يتمتعون بكامل حقوق المواطنة وكأنهم ليبيون..

وبعد الغزو عاد الكثير منهم ليشكلوا ضغطا رهيبا على الاقتصاد المصرى، مما يهدد الأمن القومى الاجتماعى، ولم تتوقف المسألة على ذلك بل أصبحت حدود مصر الغربية في خطر نتيجة لما حدث ويحدث في ليبيا منذ مطلع العام 2011.

لقد أدت الأحداث الدامية في ليبيا إلى حدوث تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية هائلة أثرت دون شك على البناء الاجتماعى واستقراره، وضربت النسيج الاجتماعى المتماسك للمجتمع الليبي وأصابته في مقتل، وكانت نتيجة تلك التحولات حدوث انقسام سياسي حاد، واحتراب داخلى، ومليشيات مسلحة، وانتشار السلاح بشكل عشوائي يقدر بخمسة وعشرون مليون قطعة سلاح، و2 مليون مهجر خارج البلاد..

إلى جانب النازحين بالداخل، هذا بخلاف المخيمات في المدن الليبية، وتفتيت وحدة القبائل الليبية التي تقدر بنحو 2000 قبيلة، وأخيرا تدمير البنية التحتية لكل المدن الليبية بفعل القصف الجوى الوحشي لقوات الناتو الغازية.

وفى ظل هذه الظروف بدأ شبح تقسيم وتفتيت ليبيا يلوح في الأفق، ففي ظل الحرب الأهلية وانتشار المليشيات المسلحة لم تعد هناك دولة ليبية حقيقية أو نظام سياسي واحد بل أصبح على الأرض قوتين مدعومتين من الخارج، وكلهما شارك فيما مسمى ثورة 17 فبراير 2011، حيث شاركا في العمل السياسي والعسكري لإسقاط نظام معمر القذافى، واحدة في الشرق (مقرها بنى غازى)، والثانية في الغرب (مقرها طرابلس).

الأولى يقودها القائد العسكري خليفة حفتر أحد رفاق القائد معمر القذافى في ثورته على النظام الملكى في عام 1969، وكان قائدا في الحرب على تشاد 1980 وأسر هناك هو ومئات الجنود الليبيين في معركة "وادى الدوم" في 22 مارس 1987، وأعلن من سجنه انشقاقه على نظام معمر القذافى في عام 1988، ثم أفرج عنه بعد وصول "ادريس ديبي" للسلطة في تشاد. 

وعاد إلى ليبيا مع غزو حلف الناتو، وشارك في العمليات العسكرية ضد الجيش الليبي بقيادة معمر القذافى، ثم عينه مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق قائدا للجيش الوطنى الليبي في عام 2015، وقاموا بترقيته لرتبة فريق، ثم رتبة مشير في 14 سبتمبر 2016.

والثانية يقودها "فايز السراج" رئيس حكومة الوفاق الوطنى، ورئيس المجلس الرئاسي الذي تأسس في ليبيا بعد اتفاق وقع في 17 ديسمبر 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف وضع حد للحرب الأهلية الليبية، و"فايز السراج" هو أبن "مصطفى السراج" أحد رفقاء السياسي "بشير السعدواي" في حزب المؤتمر، وعضو مجلس النواب، ووزير الاقتصاد، والتعليم في العهد الملكى، والرجل عمل مهندسا بصندوق الضمان الاجتماعى في إدارة المشروعات، واستشاريا في المكتب الهندسي للمرافق..

كما عمل بالقطاع الخاص ضمن مكتب استشارى هندسي لإدارة المشاريع، ولم يمارس أي عمل سياسي قبل اندلاع الثورة المزعومة، ولم يظهر دوره السياسي إلا كعضو في هيئة الحوار الوطنى، ثم ترشح لعضوية مجلس النواب عن مدينة طرابلس، وهو الآن مدعوما من قبل إيطاليا وفرنسا وألمانيا وتركيا وقطر، وتتحرك بإمرته المليشيات المسلحة، التي تنتمى لعدد من الجماعات والتنظيمات الإرهابية.

والواقع على الأرض اليوم هو صراع بين قوتين، ففى الوقت الذي يسيطر فيه "حفتر" على الشرق الليبي مخزن ثروات النفط، يسيطر "السراج" على الغرب الليبي ذات الثقل السكانى ومقر نظام الحكم ومؤسسات الدولة وثروات الغاز الطبيعى، وتعد محاولة اليوم من قبل "حفتر" بالزحف نحو طرابلس للسيطرة على كامل الجغرافية الليبية، هي محاولة لفرض سيطرة قوة واحدة على المشهد وإقصاء للقوة الأخرى..

وبالطبع تشير كل الدلائل إلى مزيد من التقسيم والتفتيت والاحتراب الداخلى، والخاسر في كل ذلك هو الشعب العربي الليبي الذي تمزق بفعل المؤامرة الدولية عليه، بهدف سرقة ونهب ثرواته، ويشكل هذا الوضع الليبي تهديدا للأمن القومى المصرى والعربي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية