رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

احتكار الجديان


في عصر المماليك كان المنادي وخلفه المطبلاتي يمشيان في الأسواق زعيقين في خلق الله لتحذير عامة المصريين من جدي أصفر فاتح اللون آكل قراطيس قاضي القضاة، وتجرأ الجدي السفيه ونطح بغلة المحتسب، ولم يكتف الرقيع بهذا، فأكثر من ثغائه أسفل نافذة نوم جنابه فعكر نوم قيلولته، وأزعج الأخلاق وخدش حياء المحفلطين لتبوله على المصطبة العمومية، هذا ما كان من الجدي وفعلته النكراء.


وعليه فأصدر رئيس الدرج بأمر الوالي بعد مشورة وجهاء وأعيان البلد أن يحبس الجدى وصاحبه بعد 30 جلدة قابلة للتمديد والتكرار، إلى أن يقر الجدي وصاحبه بجرم ما فعله حتى يتعظ باقي أصحاب الجديان.

فما كان من أهل المحروسة إلا أن يبتكروا الحيلة ويفلتوا من بطش العقاب المنتظر لهم خلف الأبواب، وعلى الفور قام كل من كان عنده جدي أصفر بصبغه باللون الرصاصي حتى يستريح من وشاية الغفر، وتجنبا للقيل والقال، ومع مرور الوقت حدث ما لم يكن في الحسبان، فأصاب الجديان مرض حمى الوادي المتصدع، وتوحدت عطسة الجديان المسكينة، وكلما عطست حكت أبدانها العليلة في سور قصر الولي..

ومع العطسة والحكة انتشر المرض ونفق من نفق، وسقط من سقط في يد الغفر بعد أن بهت لونه الرصاصي وعاد اللون الأصفر الشاحب الهزيل!

ومن وعي والتزم الخرس من الجديان تلبية لخنوع أصحابهم عاشوا بسلام عشوائي وسط الحقول اليابسة. كبرت الجديان الصغيرة بعلة المرض، وأصبحت تيوسا مخضرمين بعلة الجرب المعدى جلوسا على تبة الوادي العليل الذي يرتع فيه بغال وجهاء البلدة.

وهنا بدا في أفق الوادي عقدة السؤال المحرم كيف تبدل حال الجدي المرح المقبل على الرمح والشقلبة والرفس والنطح واللعب في الوديان وقرقشة كل الأوراق اليابس منها والأخضر. كيف لجدى شاب يتحول مع العمر إلى تيس بعلة الثقل والرقود والخمول في انتظار سكين الجزار.

ما سبق كان مجرد خيال عليل في نص سردي فقير راصد لواقع الديمقراطية المهجنة بطيف السلفنة في طاعة الصاحب وولي الأمر! حاول أن يتوغل في الماضي ويتلمس سوء رغبة من يقتاد على ريع الأسلاف والسلطان في خصي عقل الشباب.

ربما هي كلمات مزعجة، لكن من في الوادي أزعج رب العقل في ملكوته. ليس من مصلحة الوطن توحيد اللون، ولا من فائدة لإعمار الدين بالطاعة العمياء. العقل هو السبيل الوحيد لنا لتجديد خطابنا لمواكبة العصر بلسان الحاضر وبلغة تفهمها أجيالنا الصغيرة وتعيها واقع ودستور مُعاش. وقبل تصدير مفردات السلام الوردي الذائفة للعالم علينا أن نعدل دستور الواقع الاجتماعي والديني والنفسي أولا.
فلا تستهينوا بمكر (ن والقلم وما يسطرون)...
Advertisements
الجريدة الرسمية