على خطى دول أوروبية.. مساع لحظر شراء الجنس في ألمانيا
في حين خطت بعض دور أوروبا خطوات نحو قانون حظر شراء الجنس، لا تزال ألمانيا بعيدة عنه. في عام 2002 صدر قانون ينظم ممارسة الدعارة داخل البلاد، لكن هذا القانون لم يوفر حماية أفضل للنساء والفتيات من الاستغلال.
عملت ساندارا نوراك (اسم مستعار) ستة أعوام في بيوت الدعارة. عندما كانت لا تزال فتاة قاصرا، في السابعة عشر من عمرها، التقت نوراك عبر الإنترنت برجل يكبرها سنًا، قدم لها وعودًا كبيرة بالحب. كان هذا في عام 2008، حين كانت نوراك تواجه مشكلات في المنزل مع عائلتها، ومن ثم انقطعت عن المدرسة وانتقلت للعيش مع هذا الرجل، الذي أجبرها على دخول عالم الدعارة.
وقعت نوراك ضحية ما يُعرف بـ "طريقة الفتى المُحب" - وهذا هو الاسم الذي يُطلق على طريقة الاحتيال هذه، والتي تعرف انتشارًا واسعًا. أخذ الرجل نوراك إلى بيوت الدعارة، حيث كان على الشابة تقديم المتعة الجنسية إلى ما بين 400 إلى 500 رجل خلال أربعة أسابيع، كما ذكرت الفتاة، التي تبلغ اليوم، 29 عامًا، على منصة المؤتمر العالمي من أجل مناهضة التعذيب والاستغلال الجنسي للنساء والفتيات.
خلال المؤتمر، الذي يُعقد في مدينة ماينز الألمانية في الفترة من بين 2 إلى 5 أبريل، قالت نوراك: "في مرحلة ما يتوقف المرء عن الإحساس بذاته، إنه شعور يشبه إلى حد ما تدمير نفسك بنفسك". وحضر هذا المؤتمر نحو 350 رجلًا وامرأة من مختلف المنظمات الدولية وجميعهم لديهم هدف واحد وهو حظر الدعارة في ألمانيا وإلغائها بشكل تام على المدى الطويل.
"الرجال يشترون السلطة"
منذ تركها عالم الدعارة، تعمل نوراك أيضًا من أجل حظر الدعارة، وفي مقابلة مع DW قالت: "يجب النظر للدعارة كما هي عليه: إنها عنف وانتهاك لكرامة الإنسان". وضم المشاركون في المؤتمر صوتهم إلى صوت نوراك مطالبين بحظر الدعارة، لأنها تبدأ دائمًا بسبب الحاجة وتنتهي بالإكراه والاستغلال الجنسي للمرأة. وقالت أليس شفارتسر، مؤسسة مجلة EMMA النسوية، والتي شاركت في المؤتمر أيضًا: "الرجال لا يشترون الجنس، بل يشترون السلطة". وأضافت: "نحن نعيش في بلد، مجتمعه يتقبل الدعارة".
خلال المؤتمر، تحدث المشاركون عن الآثار النفسية والجسدية للدعارة. كما شاركت النساء، ممن تركن عالم الدعارة، تجاربهن. وفي نهاية المؤتمر، سيتم اعتماد بيان مشترك، مطلبه الرئيسي هو تبني ألمانيا مشروع قانون مكافحة الدعارة وتجارة الجنس، كما سبق وأن فعلت العديد من الدول الأخرى. ومن هذه الدول: فرنسا في عام 2016، إيرلندا في عام 2017. وفي السويد منذ 20 عامًا. ويتضمن القانون حظر شراء الجنس وهذا يختلف عن حظر الدعارة، إذ يُجرم شراء الخدمات الجنسية، ويعاقب من يحصل على الجنس لقاء المال، وليس بائعة الهوى.
كما من الصعب الإجابة عن مدى تقليص القانون السويدي للدعارة. في حين يقول بعض الخبراء أن الدعارة قد تحولت من الشارع إلى الشقق أو الإنترنت، هناك دراسات تتحدث عن تقلص سوق الجنس بشكل عام.
ألمانيا "ماخور أوروبا"
حتى عام 2002، كانت الدعارة في ألمانيا أمرًا مخالفًا للآداب والأعراف. لكن بعدها عزز قانون الدعارة، حقوق بائعات الهوى وسن قوانين لتنظيم الخدمات الجنسية.
ومنذ عام 2017، يوجد قانون حماية الدعارة، الذي يهدف إلى حماية النساء من العنف والإكراه. وبعده أصبحت بيوت الدعارة تحتاج إلى تصريح للعمل، كما ينبغي على المومسات تسجيل أنفسهن والحصول على شهادة للعمل. في السنة الأولى بعد بدء العمل بالقانون، لم يتم تسجيل سوى نحو سبعة آلاف امرأة، من عدد الداعرات المتراوح بين مئتي ألف ومليون مومس في ألمانيا. ولا يزال قانون الدعارة في ألمانيا، واحدًا من أكثر قوانين الدعارة ليبرالية، إذ تعد ألمانيا "ماخور أوروبا". وذلك لأن ما بين 80 و90 في المائة من بائعات الهوى يأتين من الخارج، وقد وصل العديد منهن ألمانيا عبر التهريب في ظروف قسرية وغير إنسانية.
الحكومة الألمانية ترى أن حظر شراء الجنس قد يكون أمرًا خاطئًا، كما قال متحدث باسم وزارة شئون الأسرة قبل بضعة أيام، بأن الخطر يكمن في "تعرض بائعات الجنس للاستغلال بطرق غير قانونية ووقوع مخاطر هذه المهنة على عاتقهن من دون حماية".
منظمات مجتمع مدني: لا يوجد دعارة طوعية
يجد المشاركون في المؤتمر هذه الحجة، ساذجة وكذلك الحجة الواسعة الانتشار، والتي تفيد بأن العديد من النساء يمتهن الدعارة بمحض إرادتهن. وتقول ليا أكرمان، مؤسسة "جمعية التضامن مع النساء في محنة": (SOLWODI) "أعتني بالنساء اللائي تعرضن للاستغلال منذ أربعة وثلاثون عامًا". وأضافت في مقابلة مع DW: "اليوم أقول: ليس هناك امرأة واحدة تفعل ذلك بمحض إرادتها".
من جهته يرى جيرهارد ترابرت، مؤسس "جمعية الفقر والصحة في ألمانيا"، أن الفقر هو الدافع القوى للامتهان الدعارة، ويقول: "نحن نعلم أنه باستمرار هناك نساء يمارسن الدعارة، من أجل العيش فقط، لأن المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة لم تعد كافية حقًا للعيش في هذا المجتمع".
كما دعا ترابرت إلى إلغاء الدعارة وإعادة النظر إلى صورة المرأة داخل المجتمع: "نحن بحاجة إلى صورة مختلفة عن المرأة، خاصة لدى الشباب: إنها ليست كائن لإشباع الرغبة، وإنما كائن مستقل وأنه لا علاقة للحب، باستغلال المرأة وممارسة العنف بحقها".
اتفق المشاركون في المؤتمر على المطالبة بحظر شراء الجنس. كما حظيت إمكانية رفع دعوى دستورية بثناء واسع. ويرى المشاركون أن لوبي الدعارة يقف وراء منع التشريعات الأكثر صرامة في ألمانيا. وتقول نوراك: "هذا القانون يعطي للرجل الحق في ممارسة الجنس وأنه بإمكانه استخدام المرأة في أي وقت ثم التخلص منها كعلبة سجائر".
أصوات معارضة
تعمل جمعيات (Hydra) و(BUFAS)على مساواة العمل في الدعارة مع أشكال العمل الأخرى تدريجيًا. حظر شراء الجنس أو حظر الدعارة يرفضونه بشكل صارم.
وقالت سيمونا فيقراتس من Hydra أنه لم يعد بإمكان النساء الدفاع عن أنفسهن بشكل صحيح، لأنهن يعملن ضمن نطاق غير قانوني ومنبوذات اجتماعيًا. وأضافت: "إذا وضع المرء في زاوية قذرة ولم يستطع أو يسمح له بالتحدث، فهو غير محمي. لهذا تجد النساء أنفسهن في ظروف أكثر صعوبة".
كما لا توافق فيقراتس على مسألة أن ممارسة الدعارة تكون دائمًا بالإكراه، وقالت: "هناك بعض النساء لا يفكرن في القرار بشكل صحيح، لهذا تُسأل النساء في الاستشارة الأولية دائمًا عن دوافعهن. لكن لا أرى أن الدعارة تؤذي جميع النساء". وأضافت: "يمكن للبعض التعامل بشكل جيد مع الوسط، ووضع الحدود للآخرين، مما يجعلهن يعشن في حالة جيدة".
بحسب تجربتها الخاصة، لا توافق ساندرا نوراك، على مثل هذه التصريحات، وتقول: "ما رأيته منذ ست سنوات هو أنه لا وجود لما يسمى بالدعارة الجيدة"، مضيفة أنها لم تكن مقبولة أبدًا لأي امرأة التقت بها.
اليوم، تدرس نوراك القانون، وتريد نسيان فترة عملها في الدعارة. تشعر اليوم بأنها أفضل، كما قالت في حديثها. "لكن لا يمكن نسيان ما حدث بالفعل".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل
