رئيس التحرير
عصام كامل

محاولات إخوانية قطرية لخطف حراك الجزائر


اكتسب الحراك الشعبي في الجزائر احترام وإعجاب العالم بالتزامه السلمية ونبذه العنف والتخريب، حتى إنهم بعد انتهاء الاحتجاجات، يتولون تنظيف الشوارع وجمع المخلفات ومحو أي أثر للتظاهر.


أبى هذا الشعب المتحضر أن يمنح الفرصة لتيارات "عميلة مشبوهة" أن تركب موجة الاحتجاجات المعارضة وتختطفها منهم، مثلما حدث في مصر وغيرها.. فقد تفاجأ الجزائريون بتواجد "جبهة الإنقاذ الإسلامية" المحظورة في الاحتجاجات، فطردوهم شر طردة، خوفا من قفز وجوه وقيادات الحزب المحظور، لا سيما مدبر ورأس فتنة التسعينات المسماة "العشرية السوداء" عبّاسي مدني، الذي تستضيفه قطر وتحميه منذ سنوات.

فبعد إقرار التعددية السياسية الجزائرية نهاية الثمانينات، أسس عباسي ورفاقه "جبهة الإنقاذ الإسلامية"، التي تصدرت بداية التسعينات نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية، قبل أن يتدخل النظام ويوقف المسار السياسي خوفا من التشدد، فوجد نفسه في مواجهة العنف المسلح وتوسعت نشاطات الجماعات المتطرفة بقيادة عباسي، لتدخل الجزائر حربا دموية لمدة عشر سنوات. 

قضى رأس الفتنة عباسي بين السجن والإقامة الجبرية نحو 12 عاما، غادر بعدها وأسرته إلى الدوحة العام 2003، وكافأه أمير قطر بمنزل فخم وراتب شهري 15 ألف دولار مدى الحياة، وافتتح ابنه الأكبر أسامة فضائية "المغاربية" بتمويل قطري، التي تبثّ من لندن وتتبنى أجندة "جبهة الإنقاذ الإسلامية"، لتغيير أنظمة الحكم في الدول العربية خصوصا في الجزائر.

بعد طرد أذناب "عميل قطر" من الاحتجاجات، تعرض أيضا، الإخواني عبدالله جاب الله رئيس "حزب العدالة والتنمية" لموقف مهين، بعد قيام مئات المتظاهرين في الجزائر العاصمة بطرده من الاحتجاجات وسط هتاف واحد بالفرنسية "Djaballah Dégage" أي "ارحل يا جاب الله"، تأكيدا لرفض أي دور إخواني في الحراك السلمي، لأنهم يرون أن "الإخوان أينما حلوا جاء معهم الخراب"، كما أفصحوا عن خشيتهم من "استغلال الأحزاب الإخوانية الاحتجاجات المعارضة للرئيس بوتفليقة لتنفيذ أجندة خارجية بالتنسيق مع تنظيمات إخوانية أخرى خارج البلاد لاسيما في قطر وتركيا".

الإخواني جاب الله "مكروه شعبيا"ً، لتطرف أفكاره وسعيه منذ التسعينات قيادة المعارضة، وحاول جاب الله الاجتماع مع اقطاب المعارضة أخيرا في مقر الحزب الإخواني لكنهم رفضوا المشاركة، لإدراكهم أنه يسعى لتصدر المشهد وفرض رؤية الإخوان لإسقاط النظام وهو ما يرفضه الشعب والمعارضة معا، فلم ينسى الشعب أن الإخواني جاب الله "كان يدفع الشباب إلى أفغانستان في التسعينات للجهاد ضد الاتحاد السوفيتي، وعند عودتهم استغلتهم الجماعات الإسلامية في الجزائر لتنفيذ عمليات إرهابية، وفق ما تدربوا عليه في أفغانستان".

بعيدا عن محاولات إخوانية لخطف الاحتجاجات، يشهد الشارع الجزائري مزيدا من التظاهر وانسداد الأفق بين المحتجين والرئاسة، وتضيق الخيارات يوما بعد آخر على السلطة، لأن المطلب الأساسي للشارع هو مغادرة الرئيس بوتفليقة وأركان نظامه الذين أيدوا وروجوا للعهدة الخامسة، حتى أنهم رفعوا شعار "لا تزيد دقيقة بوتفليقة"، بعد إلغاء الرئيس الانتخابات وانسحابه منها، ما يعني أنه يمدد لنفسه فترة الحكم الرابعة دون انتخابات.

ردا على مطالب المغادرة الفورية، وجه وزير الخارجية الجزائري، الأخضر الإبراهيمي، رسالة للمحتجين، حذر فيها من الفوضى، مع إصرار المحتجين على مغادرة النخبة الحاكمة السلطة بشكل فوري. معتبرا أن شعار "ارحلوا جميعا فورا"، تسبب في تدمير بلد كبير مثل العراق.

وقال الإبراهيمي، للإذاعة الجزائرية إن "المطالبة مغادرة الجميع سهلة، لكن تطبيقها صعب، الجزائر بحاجة لرجال يحافظون على الاستقرار والأمن.. مطلب ارحلوا جميعا هو الذي دمر العراق، أتريدون عراق آخر في الجزائر؟.. ثم إن الأساتذة ورجال الشرطة وسواهم ينتمون إلى الإدارة ذاتها فهل يذهبون هم أيضا؟!".

إصرار الشارع على رفض "خريطة الطريق" التي أعلنها الرئيس بوتفليقة، وأيدتها فرنسا ثم روسيا، جعلت الرئيس الجزائر يرفض كذلك مطالب الاحتجاجات بالتنحي وتقديم استقالته، وقال في رسالة وجهها للشعب بمناسبة عيد النصر أن "الندوة الوطنية ستعقد في القريب العاجل بمشاركة جميع الأطراف السياسية، وتغيير نظام الحكم سيكون من ثمار تلك الندوة الجامعة.. الحوار الوطني في الندوة، سيتخذ قرارات حاسمة كفيلة بإحداث قفزة نوعية، تتجسد من خلال تعديل دستوري شامل وعميق".. في إشارة إلى عدم التنحي ورفضه المطلب الأساسي للمحتجين.

بين الأخذ والرد من الرئاسة والشارع، كان لافتا تصريح جديد أدلى به رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح، من أن الجيش "يستلهم قدرته من الشعب، وسيظل الحصن الحصين للوطن، وإن أي وضع صعب يمكن استغلاله من قبل أطراف أجنبية.. لكن الجيش والمؤسسة العسكرية ملتزمان بإيجاد الحلول المناسبة للأزمة في الجزائر، وهما مسئولان عن إيجاد الحل في أقرب وقت، مهما بلغت التعقيدات".

ثنائية الجيش والشعب في كلمة الفريق صالح والتزام الجيش بإيجاد الحل قريبا، ينبئ عن تنازلات جديدة تقدمها السلطة للشارع، وربما يقنع الجيش الرئيس بوتفليقة بالتنحي عند نهاية رئاسته في 28 أبريل المقبل، على أن يكون أعد خطة بديلة لإدارة البلد بأمان لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
الجريدة الرسمية