رئيس التحرير
عصام كامل

سلام على روح الشهيد «عبد المنعم رياض»!


في دول العالم المتقدم تبحث في تاريخها على صفحات مشرفة تتفاخر بها جنبا إلى جنب مع التقدم التكنولوجى، لإيمانهم بإن التاريخ حلقات متواصلة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض لأى سبب كان، وبالرغم من دموية الثورة الفرنسية ونهايتها المؤلمة إلا أن الفرنسيين يحتفلون بها ويرسخون قيمها النبيلة التي قامت من أجلها، ولا يمكن أن يؤثر التقدم العلمى على تجاهل التاريخ الإنسانى وتضحيات الشعوب من أجل رفعة وطنها وسط الأمم، فلا تنس أبطالها أو علماءها أو قادتها..


ونحن نملك التاريخ المشرف، التاريخ الذي يعطينا الدرس والعظة والاعتبار، وعام 2019 بمثابة عام استثنائي في التاريخ المصرى، فهو يمثل ذكرى مائة عام على اندلاع ثورة 19 أكبر ثورة شعبية ضد الاحتلال الإنجليزي، الثورة التي كانت واحدة من حلقات الكفاح من أجل الاستقلال وطرد الاستعمار، وفى نفس العام جاء للدنيا أحد أبطال المصريين لن ينساه التاريخ، أنه البطل الشهيد عبد المنعم رياض، رئيس أركان الجيش بعد هزيمة يونيو 67..

كان رجلا فذا فأعاد الثقة إلى المقاتل المصرى بعد شكك البعض في قدراته بعد حرب 67 لم يشارك ولم يشتبك، إلا أنه بفضل قيادة الفريق عبد المنعم رياض كانت معارك القناة خير شاهد على قوة وصلابة المقاتل المصرى، بعد هزيمة اعتقد البعض أنها آخر المطاف وأن مصر لن تقوم لها قائمة، الشهيد عبد المنعم رياض كان دائما بين جنوده في كل لحظة وفى كل معركة، كان يحلم بيوم التحرير، واستشهد في الجبهة أثناء معركة مع العدو ورفض العودة للخلف واستمر في أقرب نقطة في مواجهة للعدو، وأصيب واستشهد بين جنوده في التاسع من مارس 1969..

وكانت صدمة رهيبة للقيادة المصرية، فكان جمال عبد الناصر يضع كل آماله في النصر على قيادة عبد المنعم رياض لهذه المعركة التي كانت معركة الثأر والشرف والكرامة، ومن يشاهد فيلم جنازة الشهيد رياض ويرى جمال عبد الناصر وهو ينزل من سيارته، يشعر بحجم الخسارة التي حدثت، كلما رأيت هذا المنظر أشعر بأن عبد الناصر غير قادر على النزول وغير قادر على الوقوف وملامح وجهه ربما كانت أكثر إرهاقا وألما وربما يأسا مما كان عليها في يوم إعلانه التنحى بعد نكسة 67..

لم يكن عبد المنعم رياض مجرد قائد مثل غيره إلا أنه كان قائدا فذا لو نفذت أوامره في 67 ما حدثت الكارثة، "رياض" الفذ التي عاش فقط لخدمة تراب وطنه، لا يزال الوطن يفخر بأحد أهم أبنائه، فهو الشهيد مع شهداء مصر الأبرار عشرات الآلاف، منهم رفيق دربه أمير الشهداء إبراهيم الرفاعى، ورفيق عمره أحمد بدوى، سلاما على أرواح شهداء الوطن الذين افتدوه بحياتهم، ولكن كيف نحيى الذاكرة الوطنية في الأجيال القادمة من شبابنا؟

كيف يتم تنمية وبث الانتماء لتراب الوطن؟ هل من خلال كلمات تقال هنا أو هناك في مرحلة الشباب؟ هل من خلال الأغانى والأناشيد الوطنية؟ هل... وهل.. وهل.. إلخ.

أريد أن نتأمل قصة عمرها بالضبط خمسون عاما، وكنت في المرحلة الابتدائية، عندما دخل الفصل الأستاذ العظيم عبد الحميد شبل الذي كان يدرس لنا اللغة العربية والعلوم والتربية الدينية، رأيناه نحن التلاميذ على غير عادته، فهو يأتى من مدينة طنطا إلى قريتنا بالقطار فكان يصل إلى المدرسة في الثامنة بالضبط، مع بداية اليوم الدراسى ولم يكن يلحق بالطابور، ولكن كان دائما يقرأ لنا عناوين الصفحة الأولى من جريدة الأخبار، خاصة أخبار المعارك التي تحدث يوميا على جبهة القتال مع العدو الصهيونى الإسرائيلى..

أما صباح العاشر من مارس 1969 كان مختلفا، كان وجهه مكفهرا وحزينا وغاضبا أيضا، كما تعودنا قلنا الأخبار يا أستاذ؟ رد وكاد يبكى: أصل الأخبار مش كويسة! وأكمل: مصر خسرت واحدا من أعظم قادتها أمس على الجبهة هو الشهيد عبد المنعم رياض قائد أركان الجيش! ثم تحدث عنه وجسارته وأنه كان البطل الذي قاد إعادة الثقة للجيش!

هذا الموقف وهذه الصورة أليست تعد اللبنة الأولى لزراعة الانتماء والوطنية في قلب وعقل ودماء هؤلاء الأطفال دون الحادية عشر من عمرهم؟

خمسون عاما ولا تزال صورة أستاذى العظيم عبد الحميد شبل أمامى وصوته في أذنى ودوره في بناء جيل للدفاع عن مصر بكل حب وببساطة بدون تكلف أو ادعاء أو توجيهات من أحد، هذا الأستاذ لم يكن يتجاوز عمره الثالثة والعشرين، ويشعر بالمسئولية تجاه النشء الذي أمامه، ويدرك أنهم شباب الغد وسواعد الوطن الذي سينهض بهم! هل هذه الصورة موجودة في مدارسنا الآن؟

أعتقد أنها ليست موجودة.. بل اختفت منذ السبعينيات وظهور نغمة أن حرب 73 هي آخر الحروب والاتجاه لأمريكا التي تمتلك 99% من أوراق اللعبة في مشكلة الشرق الأوسط، وأن الغرب سيجعل مصر لا حاجة للعرب وأفريقيا، وبدأت الرؤية لقضايا الوطن تتراجع، ويتم التركيز على التهليب والغنى بأى شكل وبأى طريقة بعيدة عن شرعية أو عدم شرعية الطريقة!

علينا أن نأخذ ذكرى استشهاد البطل العظيم عبد المنعم رياض وذكرى الدماء التي قدمها كل شهداء الوطن، وبحق دماء الشهداء التي يقدمها أبناء الوطن كل يوم في محاربة الإرهاب الذي تدعمه أمريكا وإسرائيل، علينا أن نلحق أنفسنا، علينا إنقاذ الأجيال القادمة من أجل مصر، علينا زرع حب الوطن في قلوبهم، علينا أن نحكى لهم مرات ومرات صور البطولات العظيمة التي قدمها عشرات الآلاف من أبناء الوطن من أجل أن نعيش، علينا أن ندرك أن الشهداء أعطوا المثل والقدوة ولا بد أن نسير على خطاهم..

لدينا أكثر من ثلاثة آلاف مركز شباب لا تقدم شيئا يذكر للشباب، لدينا أكثر من ألف موقع يتبع وزارة الثقافة لا تقدم شيئا يذكر... يا أبناء مصر.. استيقظوا.. أفيقوا.. الحرب لم تنته مع أعداء الوطن.. أعداء الوطن في الداخل والخارج.. انتبهوا إلى تاريخكم.. اقتربوا من سيرة أبطالكم الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنا لنحيا في وطن حر!
انتبهوا.. وسلاما للشهيد عبد المنعم رياض في يوم الشهيد..
وتحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر!
الجريدة الرسمية