رئيس التحرير
عصام كامل

كل هذا الدخان!

مشهد واحد.. ليل داخلى:
على إحدى مواقع التواصل الاجتماعى، يتباهى السيد مدير إدارة التموين بإحدى المحافظات بقيامه بحملة مبكرة ومكبرة على بعض المحال في نطاق مدينته الصغيرة، يصادر كمية كبيرة من السجائر لقيام بعض الفاسدين المتاجرين بأنفاس الشعب ببيعها بأغلى من التسعيرة المحددة.

استدراك للمشهد: ينشر السيد المسئول التموينى الهمام صورة كبيرة له وهو مبتسم، بجوارها صورة أخرى وهو ملاصق لمسئول آخر يشاركه اللقطة وضبط التاجر المتهم، ثم صور أخرى لبضع من السادة الزملاء في الضبطية التموينية الجبارة، التي تهدف لتحقيق الرخاء بضبط أنفاس السادة المدخنين على التسعيرة المحددة للسجائر والمعسل وكل ما يخص المزاج!

يحصل السيد المسئول التموينى على كمية كبيرة من الإعجابات، فضلا عن بعض القلوب وتعبيرات الاندهاش (واو!) والدعاء بطول النفس والعمر، تقديرا لمجهود سيادته في ضبط المزاج!

مشهد 2.. ليل ربما.. نهار ممكن.. وقت مائع:
في مجلس النواب، السيد وزير التموين يخضع لاستجواب من بعض السادة نواب الشعب حفظهم الله وحفظ الوزير قبلهم، بالطبع.. يطلب بعض النواب في أدب جم وحياء شديد من الوزير فرض التسعيرة الجبرية على السلع الغذائية حتى يتم تحجيم الغلاء.. ينتفض السيد الوزير رافضا هذا لأنه حسب توصيف سعادته: ضد الدستور ومنافٍ للحريات ولا يساير حرية التجارة.. يصفق السادة النواب كعادتهم متناغمين مؤيدين وينصرف الوزير تاركا الحرية في أبهى صورها للأسعار وللسادة التجار ويركب سياراته عائدا لوزارته!

مشهد 3 (واقعى):
أمام أحد مطاعم الفول والفلافل في نفس مدينة السيد المسئول التموينى الرائع ذي الطلعة البهية والصور الرائعة والبطولات التاريخية الخالدة ضد تجار السجائر، يقف شاب نحيل الجسم شاحب الوجه، تنعكس على وجهه ملامح شقاء وهم اصطبغت بهما ملابسه أيضا، يلتقط في لهفة أحد أرغفة الخبز الصغيرة من على إحدى شراعات الخبز، يتحسس ليونتها، يستبدلها بآخر أكبر قليلا طامعا وطامحا في جرامات أكثر تمنحه أملًا في شبع محتمل.. 

يدنو من (طاسة) الفلافل، يلتقط قرصا واحدا بالعدد، يضعه فوق الرغيف الصغير، بينما تبدأ الابتسامة في السطوع على وجهه المنهك، يخرج الجنيه الوحيد المتاح في جيبه، يتقدم لصاحب المحل ليحاسبه، يختطف الرجل منه الرغيف وقرص الفلافل قائلا له: قرص الطعمية بجنيه والرغيف الواحد بجنيه.. أنت مش عايش في الدنيا ولا إيه، جنيه للطعمية وجنيه للرغيف.. اللى معهوش ميلزمهوش.. عيشوا عيشة أهلكم بقى".. ينصرف الشاب وسحب دخان كثيف تملأ وجهة لا ندرى من أبخرة الزيت المتطاير من المقلاة أم من شىء آخر!
fotuheng@gmail.com

Advertisements
الجريدة الرسمية