رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الحل الأمني منفردًا في مواجهة الإرهاب لا يكفي


لا أدرى لماذا تستبعد كل الدول الشرق الأوسط، خاصة التي اكتوت بنيران الإرهاب «سلاح الدين» من أجندة مقاوماتها للتيارات المتطرفة حتى الآن، وتصر على استخدام الحل الأمني والعسكري منفردا، على الرغم من أن الأزمة «فكرية» في المقام الأول..


وقد لا تنتهي، طالما ظلت تلك التيارات تستقطب يوميًّا العشرات من الشباب المسلم، استنادا إلى فكر «الحاكمية» الذي جعلهم على يقين أن المجتمعات التي يعيشون فيها «كافرة» ويقوم على أمرها «حكام كفرة» يحكمون بغير ما أنزل الله، ويتخذون من أنفسهم أندادا لله، وأن محارباته والرعية «الكافرة» التي ارتضت بولايتهم «فرض عين» على كل المسلمين.

ولعل ما يدعو للأسف في هذا الأمر، أن كل القائمين على أمر المؤسسات الإسلامية الرسمية في كل دول الشرق الأوسط، يعلمون جيدا أن هذا الفكر، هو السر الخفي الذي جعلهم تلك التيارات يقنعون آلاف الشباب بترك حياة الترف في كثيرا الدول الثرية، والانزواء في كهوف بالصحراء، اعتقادا بأنهم يؤدون رسالة سوف تؤدى بهم إلى الجنة.

وعلى الرغم من استمرار المواجهات العسكرية والأمنية، مع عناصر تلك التيارات المتطرفة -على اختلاف مسمياتها- منذ سنوات، وما أسفرت عنه من خراب دول، وسقوط الآلاف بين قتلى وجرحى، إلا أنه لم تبادر دولة واحدة من دول الشرق الأوسط، التي اكتوت بنيران الإرهاب، وكانت المصدر الأول لتوريد العناصر المتطرفة لتلك التيارات، على تكليف مؤسسة إسلامية واحدة، للقيام بحملة لتوعية الشباب للتوعية بحقيقة وخطورة وضلال هذا الفكر المتطرف الذي أحياه «أبو الأعلى المودودى» منذ سنوات، من خلال كتابه «المصطلحات الأربعة في القرآن».

وهي المصطلحات التي ما زالت تلك التيارات تعمل بها حتى اليوم، والتي حددها «المودودي» في «الإله ـ والرب ـ والعبادة ـ والدين» مؤكدا أنها يقوم عليها الإسلام، وفسر كلمة «الإله» بأنه الحاكم، و«الإلوهية» بالحاكمية، و«العبودية» بأنها الطاعة لحكم الله، مؤكدا أن الله له الحكم والسلطة، والخلق ليس لهم إلا الطاعة المطلقة، ومن يدعى أن له حرية في أن يحكم أو يصدر قوانين يخضع لها البشر فهو «كافر» لأنه ينازع الألوهية في أخص خصائصها وهي «الحاكمية» وأن من يطيع من يحكم ويضع تلك القوانين الحاكمة هو أيضا «مشرك» لأنه يتخذ من دون الله إلها آخر.

للأسف أن هذا هو ذات الفكر الذي أتى به الخوارج الذين أرغموا «على بن أبى طالب» ـ عليه السلام ـ على قبول التحكيم، بعد اقترابهم من الهزيمة، ثم انشقوا عنه، وقالوا الحكم لله، وكفروه وقتلوه، وظل هذا الفكر مندثرا لسنوات طويلة بعد اندثار الخوارج إلى أن أحياه «المودودى» وتبناه من بعده «سيد قطب» الذي انتهى في عدد من مؤلفاته إلى أن «الحاكمية لله» وأن «الألوهية هي الحاكمة» وأن كل البشر الذين يعطون لأنفسهم الحق في إصدار قوانين والتنظيمات الاجتماعية يخرجون من الحاكمية الإلهية إلى الحاكمية البشرية، ويحكمون بقوانين غير قوانين الله وتخالف شرائعه، وبالتالي يصبح المجتمع «كافرا ويعبد غير الله».

للأسف، هذه هي المفاهيم التي تتبناها الجماعات الجهادية المتطرفة، وغسلت بها رءوس آلاف الشباب، الذين انساقوا إلى التفجير والتدمير وقتل الأبرياء، اعتقادا أنهم يقتلون «كفارا» اتبعوا قوانين وضعية أمر بها «حاكم كافر» اتخذ من ذاته ندا لله، وجميعها أفكار لن تنتهي بحلول عسكرية وأمنية منفردة، بل تحتاج مع قوة السلاح إلى تحصين «فكري» وهو ما أتعشم أن تنتبه له الحكومات.

"وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ".
Advertisements
الجريدة الرسمية