رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الإمام الشافعي


عزيزي القارئ تحدثنا في المقال السابق عن السيدة "نفيسة" رضي الله تعالى عنها، ونستكمل الحديث عنها وعن الإمام "الشافعي" رضي الله عنه وعلاقته بها، ورده على مجلسها الكريم، وسبب إطلاقه عليها لقب "نفيسة العلوم"، ولنتحدث أولا عن علم الإمام "الشافعي" ومدى غزارته وكيف كان يجلس بين يدي سيدتنا الكريمة مجلس الطالب طلبا للمزيد من علمها..


الإمام "الشافعي" هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد بغزة، سنة مائة وخمسين هجريا، ونشأ وتربى بمكة المكرمة. قدم للمدينة المنورة زمن إمامة الإمام "مالك" رضي الله عنه، بعد ما درس وحفظ كتابه الموطأ وأسمعه عليه فأعجب به وقربه منه..

حفظ رضي الله عنه كتاب الله تعالى وهو ابن سبع سنين، ودرس علوم السنة النبوية المطهرة وأتمها وهو في الثانية عشر، جلس للناس معلما وهو في الثانية عشر من عمره، وكان له اجتهاده وعلمه ونظره واستنباطه في فقه السنة حتى أنه تقدم الأئمة وصار له مذهبا من بينهم..

أقر له أهل العلم بالإمامة والريادة وشهدوا له بالعلم والفضل والصلاح والتقوى وأثنى عليه الأكابر من أهل العلم والأمراء منهم الإمام "مالك" إمام دار الهجرة والحجاز وصاحب المذهب الشهير، حتى إنه قال عنه (من أراد العلم النفيس فعليه بالشافعي ابن إدريس)، وأثني عليه أيضا الإمام "أحمد بن حنبل" صاحب المذهب الشهير وأحد الأئمة الأربعة، فقال: ما رأت عيني أفضل ولا أفقه من الشافعي..

وقد كان من أدبه معه أنه كان يمشي خلف دابة الإمام "الشافعي" ويقول للناس: من أراد العلم فليمسك بذيل دابة الإمام، وعنه قال "أبو نعيم الأصفهاني" صاحب حلية الأولياء والمصنفات العديدة: هو الإمام الكامل العالم العامل ذو الشرف المنيف والخلق الظريف له السخاء والكرم وهو الضياء في الظُلم. أوضح المشكلات أي ما اختلف فيه العلماء وأفصح عن المعضلات، وهو المنتشر علمه شرقا وغربا والمستفيض مذهبه برا وبحرا وهو المتبع للسنن والآثار والمقتدي بما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار.

اقتبس عن الأئمة الأخيار وحاز المرتبة العالية، وفاز بالمنقبة السامية. له الدين والحسب وهو مستنبط خفيات المعاني وشرح بفهمه الأصول والمباني.. هذا والإمام "الشافعي" لم يكن عالما فقيها صاحب مذهب فقط بل كان بحرا زاخرًا فياضًا بعلوم الأولين والآخرين، وكان أدبيا شاعرا يجيد الشعر بأنواعه، وكان عالما بالقبائل والأنساب والأعراق منذ أبينا آدم عليه السلام إلى زمنه وتواريخها وأحوالها وعاقبتها، ويؤكد ذلك كله الحوار الذي دار بينه وبين أمير المؤمنين هارون الرشيد الخليفة العباسي في ذلك الوقت.

ولهذا الحوار قصة وهي: وشى بعض الوشاة إلى هارون الرشيد بالإمام "الشافعي" وادعى الواشي على الإمام "الشافعي" أنه يؤنب الناس عليه، وينكر عليه خلافته، وعلى إثر ذلك أمر هارون الرشيد بالقبض على الإمام "الشافعي" واستحضاره من أرض الحجاز إلى مقر الخلافة في بغداد. 

فقبض عليه وأحضر إلى دار الخلافة وهو مقيد بالسلاسل والأغلال، وحينما وقف أمام هارون الرشيد ألقى عليه السلام قائلا: السلام على أمير المؤمنين فرد عليه هارون الرشيد قائلا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يا شافعي لقد بدأت بسنة لم تؤمر بإقامتها، ورددنا عليك بفريضة قامت بذاتها ومن العجب، إنك تكلمت في مجلسي بغير أمري.

فقال "الشافعي": يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل وعد المؤمنين في كتابه العزيز باستخلافهم في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم من أهل الإيمان، ووعدهم أن يمكن لهم دينه الذي ارتضاه، وأن يبدل خوفهم أمنا، وهو سبحانه الذي إذا وعد وفى، فقد مكنني سبحانه وتعالى في أرضه، وأمنني بعد خوفي.

فقال الرشيد وهو مغتاظ: نعم قد أمنك الله إن أنا أمنتك. وكيف لك أن تؤنب الناس علينا وتدعي أنك أحق بالخلافة.. يا "شافعي" يقال عنك إنك عالم وإني لسائلك مسائل إن أجبت عليها أطلقتك وأخليت سبيلك وعفونا عنك، وإن لم تجب أمرت بقتلك.. عزيزي القارئ نتوقف هنا ونستكمل الحوار بمشيئة الله تعالى في المقال القادم.
Advertisements
الجريدة الرسمية