رئيس التحرير
عصام كامل

شيخ الأزهر يكتب عن التعددية والتعارف والحوار

فضيلة الإمام الأكبر
فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب

أكد فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن التعَدُّديَّة بينَ النَّاس واختلافُهم طبيعة قرَّرها القُرآن الكَريم، ورتَّب عليها قَانُونَ العَلاقَة الدَّوليَّة في الإسلام، وهو «التَّعَارُف» الذي يَسْتَلزم بالضَّرورَة مبدأ الحوار مع من نتفق ومن نختلف معه، وهذا ما يَحتاجه عالَمُنا المُعاصِر -الآن- للخروج من أزماته الخانقة، ومن هنا كان من الصعب على المسلم أن يتصوَّر صَبَّ النَّاس والأُمَم والشعوب في دين واحد أو ثقافة واحدة، لأن مشيئة الله قضت أن يخلق الناس مختلفين حتى في بصمات أصابعهم، يقول القرآن: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين»، والمؤمن بالقرآن لا يرتاب في أنه ليس في إمكان قوَّة ولا حضارة أن تُبدِّل مَشِيئة الله في اختلاف النَّاس، وينظُر إلى النَّظَريَّات الَّتى تحلم بجمع الناس على دين واحد أو ثقافة مركزية واحدة نظرته إلى أحلام اليقظة أو العبث الذي يُداعِب أحلام الطفولة.


وأضاف في مقاله المنشور بمجلة صوت الأزهر: "يمكن هنا أن ألفت النظر إلى أمرين لا يمكن تفاديهما في أي تلاقٍ بين الشرق والغرب، وعلى أي مستوى جاد من مستويات هذا التلاقى:
الأمر الأول: الآية القرآنية التي يرددها المسلمون - رجالًا ونساءً وأطفالًا - صباح مساء، بل كثير من المثقفين والمفكرين الغربيين يحفظون فحواها عن ظهر قلب من كثرة ما ترددت على مسامعهم في محافل الحوار ومنتدياته، هذه الآية هي قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

والمسلمون جميعًا -لا يشذ منهم أحدٌ- يفهمون من الآية أن التعارف المنصوص عليه في الآية الكريمة هو الهدف أو الغاية الإلهية العليا التي خلق الله الناس من أجلها.. والتعارف يعنى التعاون وتبادل المنافع، وليس الصراع ولا الإقصاء ولا التسلط، وإذا كان لقاء التعارف البشرى هو القانون الإلهي للعلاقات الدولية بين الناس أفلا يعنى هذا أنه أمر يمكن تحقيقه إذا ما خَلُصَت النَّوايا وصحَّتِ العزائم؟

وشيوخ الأزهر في أربعينيات القرن الماضى سبقوا الجميع في التنبيه على هذا الحل الذي لا حل غيره، حيث نادي الشيخ محمد مصطفى المراغي (ت: 1946م) شيخ الأزهر في ذلكم الوقت بالزمالة العالمية بين الأمم كافة لاحتواء صراعات الأمم والشعوب، وذلك في كلمته أمام مؤتمر عالمى للأديان الذي عقد بلندن سنة: 1936م.

ثم جاء بعده - بعشر سنين - الشيخ محمد عرفة الذي كتب في مجلة الأزهر في عامها العاشر سنة: 1946م مقالًا نادى فيه بضرورة التعاون بين الإسلام والغرب، وقد دفعه لكتابة هذا النداء ما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية آنذاك من اختراع القنبلة الذرية والأسلحة الفتاكة، وقد حذَّر من فناء العالم كله، إذا استعمل المحاربون هذه المخترعات، وانتهى إلى أنَّه لا مفر من التقريب بين الشعوب ومن إزالة أسباب الخلاف والبغضاء، ومن أن تصبح الأرض كلها مدينة واحدة، وأن يكون سكانها جميعًا كأهل مدينة واحدة.
وقد عوَّل الشيخ كثيرًا في دعوته لهذا التعاون العالمى على وجوب أن يفهم الغرب الإسلام، وأن يفهم الإسلام مدنية الغرب، وأنهما إذا تفاهما زال ما بينهما من سوء ظن، وأمكن أن يعيشا معًا متعاونين، يؤدى كل منهما نصيبه من خدمة الإنسانية، ودعا علماء المسلمين إلى ضرورة أن يبينوا مدنية الغرب على حقيقتها، ليحل التعارف محل التناكر، ويحل السلام محل الخصام.

إن الدعوة إلى الله في دين الإسلام محددة بأن تكون بطريق الحكمة والحوار الهادئ الذي لا يَجرَح الآخرَ ولا يسىءُ إليه أو إلى عقيدته، ويَبرأُ الإسلامُ في نشر عقيدته بقوَّة السلاح أو الإكراه أو الضغوطِ أيًا كان نوعُها حتى لو كانت ضغوطًا في شكل إغراءٍ بالمال أو الجاه أو شراء القلوب والعقول؛ لأنَّه كما يقرِّر القرآن: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» كما يقرِّر: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ودور نبيِّ الإسلام كما حدَّده له القرآنُ الكريم هو دور المبلِّغِ والموضِّحِ لطريق الله، وأنه لا يسيطرُ على الناس، ولا يُكرِهُهم، وإنما يَدَعُهم لله بعد أنْ يُبيِّنَ لهم طريقَ الحقِّ وطَريق الضلالِ، قال تعالى: «إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ»، «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ»، «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».

والنَّاس بالنسبة للمسلم إما أخٌ في الدين أو نظيرٌ في الإنسانية، وأنَّ المسلم فيما يقرِّر نبيُّ الإسلامِ هو «مَنْ سَلِم النَّاسُ مِن لسانه ويده»، أي هو مَنْ يُسالِم النَّاس، ولا يُلحِقُ بهم أذًى لا بلسانه ولا بيده، ويحرِّمُ الإسلامُ إلحاقَ الأذى بأبناء الأديانِ السماويةِ بوجهٍ خاصٍّ، لدرجةِ أنَّ المسلم الذي يؤذي أهل الكتاب يخاصمه نبى الإسلام يوم القيامة، كما يتبرأُ اللهُ ورسولُه منه في الدُّنيا والآخرة.

إن الأزهر الشريف يبذل جهودًا دولية لترسيخ السلام والأمن حول العالم، ويحرص على الانفتاح والحوار مع جميع المؤسسات الدينية العالمية، والتلاقى معها داخل مصر وخارجها، والدَّعوةِ إلى السَّلام بينَ قادةِ الأديانِ وجميع المُجتَمَعاتِ الإنسانية، والعمَلِ بهذه الدَّعوَةِ يَدًا واحدةً من أجلِ نَبْذِ كُلِّ أسبابِ التَّعصُّبِ والكراهيةِ، وتَرسِيخِ ثَقافةِ المحبَّةِ والرحمةِ والسَّلام والحوار بين الناس.. أسال الله عز وجل أن يسهم هذا الجهد بشكل فاعل في العمل على تحقيق السلام للبشرية جمعاء.
الجريدة الرسمية