رئيس التحرير
عصام كامل

أم كلثوم والصحافة.. لماذا رفضت ثنائية «العصا والابتزاز» مع صاحبة الجلالة؟

فيتو

عندما تُذكر الصحافة وأم كلثوم، يتشتت الذهن، يهرول خلف العناوين الرنانة الشهيرة، التي كانت تعزف خلف كوكب الشرق، كما يذهب للبحث عن كواليس جديدة في علاقتها بعملاق الصحافة مصطفى أمين، والكثير من الشائعات التي تناثرت حولهما، إلا أن علاقة أم كلثوم بالصحافة فيها تفاصيل أكثر إثارة، وأبواب لم يتطرق إليها أحد من قبل.




عرفت أم كلثوم النبوغ، وبدأت تشق طريقها نحو المجد، بداية من عام 1926، كان عدد سكان مصر آنذاك، لا يزيد عن 12 مليون نسمة، ونسبة الأمية عالية للغاية، حيث يقرأ ويكتب في هذا الزمان، 197 شخصا، من كل 1000 مصري.

كانت الصحف محدودة، ورغم ذلك أصيبت بأحد أشرس سلبيات ثورة 1919 على المجتمع المصري، وهي صعود طبقة من الانتهازيين لصدارة المشهد، ولخص حالهم سيد درويش في أوبريت العشرة الطيبة، وغنى قائلا: عشان ما نعلا ونعلا ونعلى.. لازم نطاطي نطاطي نطاطي.


في مطلع عام 1926 كانت الصحافة الشريان الرئيسي، للاهتمام بالفن في المجتمع المصري، وتخصص أكبر كتابها في نقد الحركة المسرحية والغنائية والموسيقية، فكان عملاق الصحافة محمد التابعي، يكتب عن المسرح في الأهرام، وزكي طليمات يكتب في المقطم، وعبد المجيد حلمي في المسرح، وسعيد عبده في روز اليوسف.



كان «النقد» مهنة جديدة، ومن الصعب على الفنانين تقبلها، ومن الطرائف التي يرويها محمود عوض، الصديق المقرب لـ«أم كلثوم» وأحد مؤرخي تلك الحقبة، تعرض الكتاب والنقاد للضرب المبرح بسببها؛ فالمطربة ماري منصور، ترسل مجموعة من أتباعها خلف أحد النقاد، ليلقنوه درسا بالعصا، بعدما تجرأ على نقدها.

وصحفي آخر تهدده فنانة كبيرة بـ«الشبشب» في الطريق العام، بسبب نقدها في أحد مقالاته، بينما كان الأكثر ألما وطرافة في الوقت نفسه، أضطرار أحد الصحفيين لحمل «شومة» في يده أينما ذهب، خوفا من فتوات شارع عماد الدين، الذين أرسلتهم منيرة المهدية لتأديبه.

في هذا التوقيت، لم تكن أم كلثوم تعرف شيئا عن الصحافة، ولا ترتبط بأي علاقة مع صحفيي القاهرة، ولكن مع صعود نجمها، والمنافسة الشرسة التي اشتعلت بينها ومنيرة المهدية وفتحية أحمد، عرفت الوجه الأخر للصحافة، التي تدخلت لتحمي وطيس المعركة، وتعدد سمات كل منهم، وأيهم يتفوق على الآخر، وكانت تنشر أرقام مبيعات الاسطوانات، بطريقة لم تسلم من الانحيازات الشخصية والمصالح.



دخلت البلاغ والأهرام والسياسة حلبة الصراع بمقالات نارية، ولجأت مجلة السياسة لعمل استفتاء جماهيري، وشمل الاستفتاء الاختيار بين الأفضل صوتًا، والأكثر إلماما منهن بالفن وقواعده وأصوله، ومن صاحبة التأثير الأقوى، لتخرج النتيجة في النهاية على عكس الواقع تمامًا، وتذيلت أم كلثوم القائمة، بينما تصدرت «منيرة» الترتيب وخلفها فتحية أحمد، ورغم ذلك لم تلجأ أم كلثوم، لا إلى الابتزاز أو المداهنة، ولا توّعد الصحفيين وإيذائهم بدنيا، مثلما كانت تفعل غريماتها.

كانت المعركة درس كبير لأم كلثوم، فالعلاقات الشخصية لمنيرة مع الكتاب والصحفيين، أخرجت النتيجة بهذا الشكل، في وقت لم تكن تهتم أم كلثوم إلا بتطوير نفسها، وظلت كما هي، تعتبر رأي الصحافة فيها، تحديات تحتاج مزيدا من العمل لنقلها من الدرجة الثالثة إلى الأولى.



لم يمر وقت طويل على الاستفتاء، حتى تفاجأت «ثومة» بمقال في مجلة السياسة، للشيخ مصطفى عبد الرازق، الذي سمع صوتها دون أن يراها، وكتب يشيد بها، وكانت تعتز بهذا المقال وصاحبه، وتكونت بينهما صداقة ظلت قومية حتى وفاته، وبعده تطورت علاقاتها مع الصحافة، وتربعت منفردة على عرش اهتمامات صاحبة الجلالة، لتثبت كوكب الشرق أن العمل وحده، هو القادر على إثبات سعر ومكانة صاحبه مهما طال الزمن.


الجريدة الرسمية