رئيس التحرير
عصام كامل

السودان ينهار


أؤكد أن الأحداث في السودان معرضة للتصعيد خلال الأيام القليلة القادمة، وأن نظام حكم «البشير» أصبح على وشك الانهيار، بعد أن وصلت الأمور إلى حد عجز النظام عن توفير حياة كريمة للمواطنين، أو حتى تطبيق إصلاحات تنقذ الاقتصاد المتردي للبلاد، وأصبحت الأمور في البلاد مرهونة بدعم مالي خارجي ضخم، ينقذ النظام بشكل مؤقت من الاحتجاجات الشعبية التي امتدت إلى كل المدن الرئيسية.


للأسف إن تراكم أخطاء النظام وتلكؤه طوال السنوات الماضية في تطبيق إصلاحات اقتصادية قد وصل بالبلاد إلى عجز رهيب في الميزانية، بسبب تكلفة دعم الوقود والخبز وغيرها من المنتجات، مما دفع الحكومة إلى توسيع المعروض النقدي، وبالتالي انخفاض قيمة العملة التي وصلت إلى 61 جنيها سودانيا في مقابل الدولار الأمريكي الواحد في البنوك الرسمية، إلى جانب ارتفاع معدل التضخم إلى 70%، ووصل حجم الدين الخارجي المستحق على البلاد لأكثر من 50 مليار دولار، في الوقت الذي زادت فيه معدلات الفقر، وتجمدت مرتبات موظفي الدولة عند معدلاتها منذ سنوات.

فمنذ بداية حكم «البشير» والسودان يتلاشى الاقتراب من تطبيق إصلاحات اقتصادية، أو حتى الإقدام على إحداث تنمية حقيقية، وظلت الدولة التي تمتلك من الثروات الطبيعية والأراضي الخصبة التي من الممكن أن تجعل منها سلة غذاء لكل القارة الأفريقية، عاجزة حتى عن الاكتفاء ذاتيا من أي شيء.

وظل النظام طوال السنوات الماضية يسير على ذات النهج، يقدم دعما غير محدود لكل شيء، ويرحل الديون والكوارث عاما بعد عام، معتمدا على القروض والإعانات لدرجة أنه قدم الوقود للمواطن بسعر يعد الأرخص في العالم، حيث يباع لتر البنزين بسعره 6.17 جنيه، أي ما يعادل نحو 13 سنتًا أميركيًا وفقا لسعر الصرف الرسمي، أو نحو 10.6 سنتات بسعر الصرف في السوق السوداء، ويُباع الديزل بسعر 4.25 جنيه سوداني للتر.

كما قدم دعما غير محدود للخبز، منح بمقتضاه المخابز دعما يقدر بـ680 جنيهًا عن كل جوال دقيق مستورد زنة 150 كيلوغراما، في حين أن سعره في الأسواق يصل إلى 1230 جنيهًا، وذلك لبيع الرغيف زنة 40 جراما بسعر جنيه واحد، وحينما حاولت الحكومة رفع السعر بقيمة نصف جنيه في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي شهدت البلاد احتجاجات كبيرة.

وقد انعكست السياسة الاقتصادية الفاشلة للنظام السوداني بشكل مباشر على القطاع المصرفي في البلاد، ولا سيما بعد أن أصبحت تعاني نقصا كبيرا في الأوراق المالية، مما جعل السودانيين منذ منتصف العام الماضي يقفون في طوابير بالساعات أمام البنوك وماكينات الصرف لسحب ودائعهم، والبحث عن استثمارات تدر عليهم دخلا بعد ارتفاع الأسعار، في ظل التزام البنوك باتباع قواعد «التمويل الإسلامي» التي تحظر الفائدة، والتي أدت إلى إحجام المواطنين عن إيداع أموالهم بالبنوك، وحدت من قدرة الحكومة على جمع الأموال محليا، واستغلالها في صورة «أذون الخزانة» وسندات تقليدية.

الأزمة الاقتصادية الكارثية جعلت الحكومة السودانية تلجأ إلى صندوق النقد الدولي، الذي طلب بدوره تنفيذ سياسات اقتصادية مؤلمة لتصويب حالة الاقتصاد المتردي، وهو ما عجزت الحكومة على الإقدام عليه، في الوقت الذي وقفت فيه «أمريكا» أمام كل الطلبات التي تقدمت بها السودان للصندوق منذ إدراجها كدولة «راعية للإرهاب»، مشترطة امتثالها لسلسلة من المطالب «السياسية، والحقوقية، والأمنية»، وتوقف الدعم الخليجي إلى أقل القليل منذ انخفاض أسعار النفط في 2014.

للأسف إن أخطاء نظام البشير جعلت من تطبيق إصلاحات اقتصادية بالسودان بمثابة «انتحار للنظام»، خاصة في ظل المعاناة الرهيبة للمواطن السوداني، وصعوبة الحصول على تمويل خارجي، لتظل تطورات الأحداث في السودان في الأيام القادمة تنبئ «بالأسوأ»، ولا يعلم إلى أين سيصل مداها إلا الله.
الجريدة الرسمية