رئيس التحرير
عصام كامل

«رهف» نموذج مصغر لكارثة جيل يعتنق «الإلحاد»


لا أجد مبررا لتلك الضجة التي أثارها الإعلام العالمي حول قصة الفتاة السعودية "رهف القنون" التي أعلنت تخليها عن الديانة الإسلامية والتحول إلى "الإلحاد" وهربت من أسرتها في الكويت، وتوجهت إلى تايلاند، وأثارت ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن رفضت السلطات التايلاندية دخولها إلى بانكوك، واعتصمت داخل غرفة في فندق بالمطار، وطلبت حق اللجوء إلى أستراليا، بدعوى تعرضها للعنف في المملكة العربية السعودية.


وعلى الرغم من انتهاء أزمة "رهف" بعد تدخل "مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين" ومساعدتها على السفر إلى تورونتو، بعد أن منحها "جاستن ترودو" رئيس الوزراء الكندي حق اللجوء إلى كندا، إلا أن الأزمة من وجه نظري الشخصية لم تنته بعد، لأنها وإن كانت في الظاهر تتعلق بـ"رهف" إلا أنها في الباطن تحوي كارثة تتعلق بآلاف الشباب ممن تبنوا "فكر الإلحاد" في الخفاء، ويخشوا الإعلان عن قناعاته خوفا من البطش السلطات، دون أن تتدخل أي من المؤسسات الدينية في العالم العربي لمحاوراتهم، أو محاولة إثنائهم عن طريق "الإلحاد".

ولعل المؤسف في قضية "رهف" أن الجميع ترك السبب الرئيسي الذي دفعها إلى الهروب - طبقًا لما قالت - وهو تحولها إلى "الإلحاد" وأخذ الجميع الأمر من منظور سياسي بحت، في الوقت الذي يؤكد فيه الواقع انتشار ذلك الفكر بشكل واسع بين الآلاف من الشباب العربي خلال السنوات الأخيرة، تحت مسمى "حرية الاعتقاد" حيث ظهر في البداية من خلال صفحات مستترة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحول إلى المجاهرة والعلن والمطالبة بالاعتراف بهم ككيان "ملحد" له الحقوق في التعبير واعتقاده.

ولعل المؤسف في أمر قضية "رهف" أنها لم تحرك ساكنا لأي من المؤسسات الدينية في الوطن العربي، للحوار مع هؤلاء الشباب، في تكرار لذات الخطأ الذي وقعت فيه تلك المؤسسات خلال منتصف السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، حينما تركت الجماعات الجهادية والتكفيرية تنمو وتتوغل، تحت زعم أنهم "شوية عيال" دون أن يتقدم عالم دين واحد لمحاوراتهم ومحاولة إعادتهم عن "الفكر التكفيري" ولم تستفق من غفوتها سوى بعد أن تحول ذلك الفكر إلى واقع يعتنقه الآلاف، وتطور حتى قتل "الشيخ الذهبي، والرئيس السادات، ورفعت المحجوب، وفرج فودة" وغيرهم، وما زال يحصد يوميا أرواح المئات من الأمنيين في ليبيا وسوريا والعراق وسيناء.

ولعل يدعو للخوف من إهمال المؤسسات الدينية العربية لـ "فكر الإلحاد" أنه فكر سهل ومغري ودون "مرجعية" ويدعو إلى "الانحلال والفجور والشذوذ" ويأتي على هوى آلاف الشباب، ويستقطب يوميا بالفعل العشرات، وقد يتحول أصحابه خلال سنوات قليلة إلى رقم تعجز المؤسسات الرسمية عن مواجهته.

أن واقع هؤلاء الملحدين يؤكد أنهم ما زالوا قلة، ويعتمدون على ترويج أفكارهم على صفحات على مواقع التواصل الإجتماعى، غالبا ما تظهر بأسماء مستعارة لأيام ثم تختفي، خوفا من بطش الأمن والمجتمع، أو اتهامهم بازدراء الأديان.

إلا أن الأكثر واقعية، أن شططهم لم يحرك ساكنا أي من القائمين على أمر المؤسسات الدينية في العالم العربي حتى الآن، وهو ما ينذر للأسف بكارثة دينية واجتماعية، قد تكون عواقبها كارثية خلال سنوات.
الجريدة الرسمية