رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

علاقة فريدة


كنت في أيامى السابقات، ومع حداثة السن ورعونة الفتوة، أتنفس بعضًا من غلظة القلب، منتشيًا بالقسوة، وبعض من برودة العاطفة، إلى أن رزقنى الله بمن هدمت نظريات كبرياء «الغباء»، وجرفتنى رويدا رويدا، وبعيدا إلى شواطئ الرحمة والدفء والحب، وإكمال طريق الحياة بالرفق.


روت لى صديقتى عن علاقتها «الفريدة» بوالدها طيب الله ثراه، كيف لا تزال تفضل أن يناديها الناس باسمه، وكيف أصبحت تباشر مهامه الخيرية في رعايته للأسر الفقيرة، حبا في السير على نهج ومنهاج والدها، وطمعا في دعوات صالحات تسمعها من أجله وتودع في خزائن حسناته، وروت كيف يزورها والدها في منامها كثيرا، فتأنس وتطمئن، وأضحت حياتها تدور في فلكه، وكأنه يحيا معها وإلى جوارها، مستقرا في القلب لا يبرحه أبدا.

كل فتاة بأبيها معجبة، وكل أب فارس لأميرته الصغيرة، تلك العلاقة التي تحمل لوغاريتمات معقدة لا يفهمها إلا من حازت قلبه أنس الروح والفؤاد، علاقة تهون وتخفف وترقق وتعذر وتسامح وتزرع سنابل الخير والعطف، بدلا من أشواك القسوة والغل.

الأب الذي يزرع في ابنته بذور الحب بيديه، فيشبعها عاطفة وحنانا ولينا في غير تهاون، وحزما في غير قسوة، وثقة في غير شك، وتفاهم في غير جبروت، هو الرابح أخيرا، والرابح كثيرا، فيجنى حُبا حين تنحنى الظهور، وحنوا حين تضطرب العقول، ومتنفسا حين تضيق الصدور، ومنصتا حين تغلق الآذان، وعينا حين تعتل الأبصار.

تقول صديقة: «أبى دائمًا مصدر للتوتر والخوف داخل البيت، فلم أتذكر يومًا أنى لجأت إليه في أمر ما إلا وحدثت مشكلة كبيرة، ولذا لم أعد أحب اللجوء إليه تماما، وأصبحت علاقتنا أشبه بالمتربصين، فهو يتحفز ويتربص لى على الأخطاء حتى يعاقبنى بدلا أن يقومنى».

حكى لى زميلى الأرعن منتشيا في سماجة بالغة عن علاقته بابنته الكبرى ذات الخمسة عشر عاما، مفتخرا أنه يشبعها ضربا إذا أخطات في أمر ما، وسعيدا بأنه حين يدخل البيت تختبئ بناته الثلاث في غرفتهن خوفا منه، ويعتقد أنه بهذا يربي ويحسن إليهن، ولا يدرى أنه يحطم روحا ضعيفة ويميت نبتة لينة، ويمحو نفسًا سيدفع غاليا من أجل استعادتها لو ذهبت منه إلى براثن الشر، أو الموت.

إنهن المؤنسات الغاليات، لا تهينوهن، لا تضربوهن، اسمعوهن قبل أن يسمعهن غيركم، صادقنهن قبل أن يصادقهن غيركم، أشبعهون من المحبة في صغرهن، كونوا لهن رقم (١) في كل شيء، درعا واقيا، وصمام أمان، حتى إذا شاءت الأقدار وتركتموهن واشتدت عليهن الكروب، تقوى ظهورهن على العزة والكبرياء، وتحمل عناء الحياة بلا خوف، فرفقا ثم رفقا.
Advertisements
الجريدة الرسمية