رئيس التحرير
عصام كامل

«شارلوك هولمز» في تحدي العشر سنوات


قرر الأديب "آرثر كونان دويل" أن يقتل شخصيته الشهيرة "شارلوك هولمز" فأسقطه في الشلالات خلال صراعه مع عدوه البروفيسور "موريرتي" ليغلق القرن التاسع عشر أعوامه مع نهاية "هولمز" ولكن مع بدايات القرن العشرين، ونتيجة ضغوط محبي شخصية "شارلوك هولمز"، اضطر مبتكرها أن يُعيدها للحياة في رواية أخرى.


ولكن مهما اعترض قراء "شارلوك هولمز" الآن فلن يعود للحياة مجددًا، ليس فقط لموت المؤلف، ولكن لأن العصر الحالي لم يعد في حاجة إلى ذكاء "هولمز" وطرقه التقليدية في حل الجرائم وتسليم المجرمين واللصوص وخاطفي الأطفال للعدالة، بعد أن تكفلت التكنولوجيا بذلك، فمهما كانت عبقرية المحقق الشهير، فإنه لا يستطيع أن يعثر على ثلاثة آلاف طفل مفقود، ويعيدهم إلى أسرهم في أربعة أيام فقط، وهو ما استطاعت أن تفعله تقنية "التعرف على الوجوه" في الهند بعد أن قررت الشرطة اعتمادها في العثور على المفقودين، في أبريل من العام الماضي.

وإذا تخيلنا توفر هذه التقنية، لانتهت أحداث فيلم "المولد" بعد دقائق من بدايته، حيث كانت "بركة" (أمينة رزق) سوف تذهب إلى الشرطي الذي سيستخدم تقنية التعرف على الوجوه في العثور على "بركات" (عادل إمام) وتنتهي أحداث الفيلم عوضًا عن ضياع عمر الأم في البكاء على ولدها المفقود!

وتقنية التعرف على الوجوه، هي نوع من القياسات الحيوية، حيث يستطيع الكمبيوتر تحديد أو التحقق من هوية شخص موجود في صورة رقمية أو فيديو.

في العام الماضي، قررت بعض الولايات بأمريكا استخدام هذه التقنية في مكافحة الاتجار الجنسي بالبشر.. كما تم استخدامها في دخول المشاركين لمؤتمر عالمي بسهولة، بدلًا من الانتظار في طابور للتحقق من صحة الدعوات المطبوعة.

وقبل أن ينتهي العام الماضي بأسابيع استعانت "تايلور سويفت" بتقنية التعرف على الوجوه في حفلتها لتحديد أي الأشخاص قد يتسبب في سلوك مزعج خلال الحفلة.

الجميع أدرك أهمية الاستفادة من هذه التقنية التي تتطور باستمرار حتى يمكن القول إنها ستميز قريبًا بين التوائم المتطابقة، حينما تعجز الأم ذاتها عن التمييز بينهما.

سنشاهد قريبًا في الدول المتطورة استخدامات إبداعية لهذه التقنية، التي ستكون جزءا من نظام عام يستخدم التكنولوجيا في التعرف على مخالفي القوانين، وتسهيل المعاملات والإجراءات.

قدرات هذه التقنية مرعبة لدرجة جعلت رئيس شركة "مايكروسوفت" يطالب الحكومات بتشكيل لجنة خبراء للاستفادة من مزايا الأمر، وتجنب السلبيات المتمثلة في اختراق خصوصيات الأفراد.. وطلبت "جوجل" وضع إجراءات لتنظيم عمل هذه التقنية من منطلق الخوف من مخاطر الذكاء الإصطناعي على المصلحة العامة.. بينما واجهت شركة "أمازون" انتقادات ومطالبات بالتوقف عن بيع تقنيتها المخصصة للتعرف إلى الوجوه للشرطة وكيانات حكومية أخرى، خوفًا من استغلالها في استهداف المتظاهرين والمهاجرين وغيرهم.

أما شركة "فيس بوك" فإن نظامها للتعرف على الوجوه يُعد من أكبر الأنظمة حول العالم، لذلك فمن المستبعد أن يكون هاشتاج "تحدي العشر سنوات" الذي انتشر مؤخرًا في وسائل التواصل الاجتماعي قد جاء للتسلية أو بشكل عفوي بقدر كونه تدريبًا لخوارزميات التعرف على الوجه والتقدم في العمر.

الأمر ليس مؤامرة تستهدفنا لذلك لا أطالبك بتجنبها، ولكنني فقط أشير إلى أن الشركات العملاقة تهتم بجمع البيانات وتحليلها والاستفادة منها.. ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي تمتلك صورنا بالفعل التي قمنا برفعها على حساباتنا، إلا أننا لا نقوم بنشرها في إطار زمني سليم يتناسب مع تاريخ الالتقاط الفعلي لهذه الصور.. لذلك فإننا عندما نعطي الموقع صورتين متقابلتين لنفس الشخص مع فارق زمني ثابت، فإن هذا كنز من المعلومات يمكن لتقنيات التعرف على الوجوه أن تستخدمها في التنبؤ بشكل التطور الذي يمكن حدوثه على الأشخاص خلال فترة زمنية محددة.

لم يعد العالم بسيطًا ليناسب "شارلوك هولمز" أو يتحمل الاستماع للمزيد من بكاء "بركة" على فقدان طفلها.. علينا أن نتجه مع العالم صوب التطور إذا أردنا حجز مساحة في العالم المتحضر.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية