رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تصبح أمريكيا؟!


سألت شابا يافعا متعلما في واحدة من أفضل الجامعات عن حلمه، فقال لي: الهجرة إلى أمريكا والعيش هناك، حيث الوفرة والاستقرار والعالم الجديد، وبدأ يسرد لى إيجابيات الوطن الجديد.. بدلا من أن تظل تعيسا فاقدا الأمل، غير قادر على مواجهة أعباء الحياة.. بدلا من أن تعيش في أوطان ليس لها كتالوج في السياسة، ولا في الاقتصاد ولا في الحكم، حيث يقبع الحاكم على صدر شعبه، إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.. بدلا من كل هذا ستعيش في بلاد الحرية والتقدم والتطور والحقوق!!


لم يدهشنى موقف الشاب الحالم بالهجرة.. مثله مثل لاعب الدرجة الثالثة الحالم باللعب للأهلي أو للزمالك.. مثله مثل عامل الترحيلة الذي يتمنى الانضمام إلى وظيفة ميرى تؤمن له الحياة وتحميه من نوائب الدهر.. مثله مثل فلاح الصعيد الذي حلم كثيرا بالسفر إلى بلاد النفط، وقد يدفع ثمنا لذلك كل ما يملك.

ورغم أنى لم أندهش فإننى قاومت في الشاب رغبته، طالبا منه أن يشرح لى كيف سيصبح مواطنا أمريكيا يصفق للرئيس الأمريكى، الذي يقتل شعوبا بجرة قلم؟ وكيف سيبكى على جندى أمريكى ألقت به بلاده في حروب عنوانها الظلم والقهر والاستبداد والاحتلال؟ كيف سيكون مواطنا أمريكيا صالحا، ويخلع من قلبه وطنا يسكن بين ضلوعه، بكى عندما قرأ في التاريخ لحظات انكساره، ودمعت عنياه فرحا عندما اطلع على خريطة انتصاراته؟!

وقلت للشاب الراغب في نقل ملكية انتمائه إلى بلد آخر: ألا تعلم أننى كنت من مشجعى الأهلي، والآن أقلعت عن ذلك؟ أقلعت عن ذلك، لأن الأهلي قديما كان صانعا أبناءه، والآن يجمع بأمواله كل جنوده، الذين يقاتلون في المضمار.. الأهلي الآن مرتزقة وأنا لا أشجع المرتزقة.. وقلت له: هل تعلم أننى أحب ليفربول.. أحبه ليس كفريق ولكنى أحبه لأنه يحتوى قطعة منى.. قطعة من تراب بلدى.. أشجع ليفربول لأنه نادي محمد صلاح.. ومحمد صلاح هذا من طينة مصرية.. أضفت: إذا انتقل صلاح إلى ريـال مدريد سأصبح واحدا من مشجعى ريـال مدريد، لأن انتمائى سينتقل مع صلاح ابن بلدى!!

قال الشاب بثقة: صلاح الذي تتحدث عنه، لو ظل هنا لما أصبح محمد صلاح العالمى.. صلاح هنا ربما كانت أقصى أمانيه أن يلعب للزمالك أو للأهلي، ليظل محليا مغمورا على المستوى الدولى.. ليصبح كل حلمه تحقيق بطولة محلية تشبه بطولات الحكشة.. محمد صلاح ليفربول ليس هو محمد صلاح المصرى القابع في نادي "المقاولون" منتظرا مكافأة فوز لا تتعدى الجنيهات، التي لا تكفيه عند الاعتزال، ليعيش حياة كريمة.

قلت: ولكن صلاح لم يهاجر.. لم يختر وطنا غير وطنه.. سافر بملامحه.. بعاداته.. بتقاليده.. بمصريته.. محمد صلاح لم يذب في محيط غربى غريب.. ظل كما هو محمد صلاح ابن الغربية، ويعود إلينا ليضيف إلى قوة بلاده، قوة في المسابقات الدولية، محمد صلاح لم يغترب ولم يتنازل عن هويته ولم يغير جلده.

قال الشاب بضجر: أنا لست لاعب كرة، ولا أرغب في الشهرة.. أنا إنسان كل ما أطمح فيه أن أعيش إنسانًا.. كيف أحقق هذا الطموح في بلاد تموت فيها الأجيال مرضا وفقرا وعوزا وحاجة؟ كيف أصعد سلم المجتمع، وأنا لست ابن قاض ولا ابن ضابط ولا ابن كاتب؟ أنا إنسان بسيط أحلم ببيت يؤينى، ولقمة تسد جوعى، وحلم ببلد يمنحنى ما أستحق، ومجتمع أقول فيه ما أريد دون خوف.

انصرف الشاب المغترب في وطنه وأنا على يقين أننى غير مقتنع بفكرة أن أكون أمريكيا كما أننى لا يمكن أن أستعيد حبى للأهلي، بعد أن تحول إلى مجرد صفقات ومرتزقة يلعبون لمن يدفع أكثر، كما هو حال الشاب الهارب من واقعه، راغبا في اللعب لبلد يدفع أكثر!!
الجريدة الرسمية