رئيس التحرير
عصام كامل

تشويه بـ«فعل فاعل».. لعنة الفراعنة والزئبق الأحمر والأجساد العملاقة خرافات تشوه الحضارة الفرعونية.. «السينما» تقع في الفخ.. دول غربية تشارك في الجريمة.. وانتفاضة فنية وأثرية للمواج

فيتو

الحضارة الفرعونية وحدها معجزة، أسرارها مثار بحث الباحثين في كل أرجاء الكون، التماثيل، الرسوم، الحكم، الأبنية، كلها تدل أن هناك حكاما عظاما حكموا تلك الأرض منذ فجر التاريخ، وبدون أي رتوش فتلك الحضارة الملموسة لا تحتاج إلى أي شيء سوى النظر إليها واتباع الأسلوب العلمي في كل شيء يخصها.


لكن «التاتش» المصري لا زال موجودا، وثقافة الخرافات تحكمنا، ولم تنج الحضارة الفرعونية من تلك الكارثة، فسرعان ما ألصقنا الكثير من «الخرافات» بها، بداية من خرافة شائعة لعنة الفراعنة ومرورًا بأسطورة «الزئبق الأحمر» وأخيرًا بأن الفراعنة عبارة عن «عمالقة».



ومنذ أيام زعمت صحيفة «إكسبريس» أن هناك كائنات فضائية داخل التوابيت المصرية، وهو ما دفع حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية إلى تفنيد تلك المزاعم، مشيرًا إلى أنها غير حقيقية محذرًا من محاولة تشويه الحضارة الفرعونية، لكن الحقيقة المؤسفة أن هذا التشويه تم بأيدينا نحن، من خلال الأساطير والأعمال الفنية التي رسّخت ذلك، وهو ما نكشفه في هذا التحقيق..

اقرأ..رفضا للزواج من خادمها.. ملكة مصرية تطلب يد أحد أبناء ملك الحيثيين

خرافات
متى بدأ الأمر بالضبط لا أحد يعرف، لكن يمكن التأريخ لها في عام 1922 حين اتجه فريق من المنقبين عن الآثار لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وحدثت وقائع غريبة خلال عملية الاكتشاف، بحدوث حالات وفاة المُقبلين على فتح المقبرة، وعلى رأسهم ممول عملية البحث اللورد «كارنرفون»، توفي نتيجة تسمم بالدم، وهنا نشأت خرافة «لعنة الفراعنة» التي تصيب كل من يحاول العبث بممالكهم وهي لعنة غير محددة قد تؤدي إلى الوفاة أو المسخ لأي شكل آخر.



انتشرت الشائعة رغم الرد العلمي لها والذي أوضح أن المقابر بها عدد من الفطريات التي قد تؤدي للوفاة بجانب انتشار روائح غازات سامة مثل «الأمونيا كبريتيد الهيدروجين» وهذا سبب وفاة اللورد كارنرفون كما أوضح العالم الأثري الكبير زاهي حواس.

اقرأ ايضًا..«كل شهر اكتشاف أثري».. 200 بعثة مشتركة مع 25 دولة تشارك في 12 كشفا جديدا

الزئبق الأحمر
الزئبق الأحمر أحد الخرافات المنسوبة للحضارة الفرعونية أيضًا، ويوضح الباحث الأثري أحمد عامر في تصريحات خاصة لـ«فيتو» أن القصة تعود لاكتشاف مقبرة أحد القادة العسكريين في عصر الأسرة 27، حيث تم العثور على تابوت مغلق وبداخله مومياء ذلك القائد، ومحاط بسوائل من بقايا عملية التحنيط، وقام مكتشف المقبرة «زكي إسكندر» بتجميع تلك السوائل داخل زجاجة صغيرة، تلك السوائل لزجة وحمراء اللون.

وعقب ذلك بدأ الحديث عن الزئبق الأحمر، وانتشرت الشائعات الخاصة بأهميته في تسخير الجن، بجانب قدرة السائل في الحفاظ على جسم الإنسان شابا والشفاء من الأمراض، ولا يزال هذا السائل محفوظًا في زجاجة تحمل خاتم وشعار الحكومة المصرية، وتوجد داخل متحف التحنيط في مدينة الأقصر، وتعتبر هذه الزجاجة السبب الرئيسي في انتشار كل ما يشاع عن ما يسمى بـ«الزئبق الأحمر».



وكشف العالم الأثري زاهي حواس أنه لا يوجد ما يسمى بالزئبق الأحمر وهو عبارة عن وهم، مشيرًا إلى أن الناس اعتقدت أن مادة التحنيط، الذي خرجت من إحدى المومياوات لرئيس الجيوش في الأسرة السابعة والعشرين، ووضعتها الحكومة في زجاجة هو الزئبق الأحمر، ولكنه اعتقاد خاطئ تمامًا.

شاهد..التفاصيل الكاملة لاكتشاف مقبرة كاهن التطهير الملكي بعصر الأسرة الخامسة

عمالقة
الأمر ذاته تكرر حول خرافة جديدة تمثلت في أن الفراعنة كانوا عمالقة من حيث الأجساد، وهي خرافة تلقى صدى بين الكثيرين حتى الآن، لكن الخبير الأثري بسام الشماع يكشف لـ«فيتو» أن الرسوم الهندسية على جدران المعابد كشفت عن الأدوات التي استخدمها المصري القديم في بناء تلك المباني الضخمة وطرق نقل الكتل الكبيرة، فيظهر على أحد جدران المقابر الشهيرة بمنطقة دير البرشا بالمنيا، طريقة نقل تمثال ضخم لصاحب المقبرة مستعينين بعدد كبير من العمال وزلاجة لوضع التمثال عليها لنقله، بجانب ذلك إذا كان المصريون عمالقة فأين الأدوات الضخمة المستخدمة؟ فالمومياوات الملكية وغير الملكية التي تم العثور عليها تظهرهم بأحجامهم الطبيعية، وكذلك مداخل ومخارج الممرات بهذا الحجم الطبيعي.

لماذا تنتشر الخرافات؟
زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، يرجع انتشار تلك الخرافات إلى تراث راسخ من ثقافة المصريين بُني على اعتقادات خاطئة، كما أن هناك رغبة من الغرب في التمسح بالحضارة الفرعونية أدت في النهاية إلى اختلاقهم تلك الأكاذيب، موضحًا أنهم لا يقللون منها بل يريدون أن يثبتوا أنهم على علم بها.



بدوره أوضح وسيم السيسي الباحث في علم المصريات، أنه حين هزمت اليونان إسبرطة، قال مفكر يوناني: «هزمناهم ليس حين غزوناهم بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم»، تلك الصورة هي التي يمكن النظر إليها للتشويه الحادث مع الحضارة الفرعونية باختلاق الأكاذيب.

وأضاف «السيسي» أن هناك ضرورة لأن يعرف جميع أبناء الشعب المصري حضارة وتاريخ المصريين القدماء ودراسته والدفاع عنه من أي تشويه.

نرشح لك.. سر عبادة الأجانب لـ«خوفو وسخمت» في ديسمبر.. طقوس غريبة وملابس بيضاء للتكفير عن الذنوب

ومن جانبه، كشف حجاج إبراهيم، رئيس قسم الآثار بكلية الآداب بجامعة طنطا، أن انتشار تلك الخرافات سببه الجهل بالحضارة المصرية وادعاء دراستها، فلا بد أن تكرس الدولة متخصصين وخبراء في الآثار يردون على تلك الأقاويل بالأساليب الإقناعية والأدلة والنطق، حتى لا نترك مجالًا لأي شخص لكي يفتي في الحضارة المصرية.

جريمة السينما
محاولات التشويه لم تقتصر على خرافات راسخة أو حتى اتهامات غربية، فبأيدينا رسخنا تلك الخرافات، ومن خلال أكثر وسيلة فاعلة في المجتمع وهي السينما، وبدأ هذا الأمر مبكرًا، وتحديدًا عام 1953، حين تم عرض فيلم «حرام عليك» للفنان إسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري، حيث يعمل النجمان في محل لبيع الآثار، ويحضران صندوقًا به إحدى المومياوات، يراقبهما الفنان «استيفان روستى» يدعي أنه عالم في الآثار، وأنه قادر على إحياء المومياء.



عروسة النيل
الأمر أيضًا تكرر مع أشهر أفلام ستينيات القرن الماضي، للنجم رشدي أباظة والفنانة القديرة لبنى عبد العزيز، وحمل الفيلم اسم «عروسة النيل»، والذي تدور أحداثه حول قيام «الجيولوجي» سامي والذي قام بدوره الفنان «رشدي أباظة» بمتابعة عمليات التنقيب عن البترول في الأقصر، وتم منعه من التنقيب في تلك المنطقة باعتبارها مقبرة لعرائس النيل.

وأكد الأهالي أن لعنة الفراعنة ستصيبهم لو بدأت البريمة في الحفر، ويرى سامي في الحلم فتاة جميلة مثل «عروس النيل» تدعى "هاميس" تطالبه بوقف الحفر، وأخبرته أنها ابنة آتون إله الشمس وأن والدها أرسلها إلى الأرض لتمنع انتهاك حرمات مقابر عرائس النيل، وبدأت تضايق سامى بوجودها في كل مكان.



صعيدي رايح جاي
أما أسطورة «الزئبق الأحمر» فترسخت من خلال فيلم "صعيدي رايح جاي" الذي تم إنتاجه في عام 2001، وهو من بطولة هانى رمزى، ويدور الفيلم حول عمدة إحدى قرى الصعيد، الذي يتفق مع مافيا لتجارة الآثار لتسليمهم مقبرة أثرية مدفونة بقريته مقابل مبلغ مليون جنيه، بجانب مليون جنيه آخر للزئبق الأحمر، ويموت العمدة دون تسليم المقبرة بعد سلسلة من المفارقات الكوميدية، تنتهي بوقوع العصابة في شرك رجال الشرطة.



ربع رومي
ورغم تلك الثورة التكنولوجية لكن لم تزل تلك الظاهرة موجودة، ففي العام الماضي تم إذاعة مسلسل «ربع رومي» الذي تناول أيضًا فكرة لعنة الفراعنة التي حولت أحد أبطال المسلسل لـ«فأر» بسبب محاولته سرقة مقبرة فرعونية.



طريقة علمية
في هذا السياق يوضح الناقد الفني طارق الشناوي، أن لعنة الفراعنة في الأفلام السينمائية لم يتم تناولها بطريقة علمية، فدائمًا كان التركيز على الخيال وأن الجثث تعود للحياة مرة أخرى، ولكن لم نوضح في أي فيلم مصري ما هي حقيقة لعنة الفراعنة.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن الواجب الآن معالجة الأمر، فكما رسخت السينما مفهوم لعنة الفراعنة، عليها أيضًا معالجة الحقائق العلمية بنفس الأمر من خلال أفلام توضح حقيقة اللعنة بأسلوب علمي.



سخرية
ومن ناحيتها، أوضحت حنان شومان الناقدة الفنية، أن الأفلام المصرية اعتادت تناول الآثار بشكل ساخر، وعددها قليل جدًا، فلا يوجد فيلم مصري تناول الآثار المصرية بشكل صحيح، مضيفة أنه في الغرب يتم تناول الآثار الفرعونية بشكل علمي، وهناك سلاسل من الأفلام التي تتحدث عن الآثار المصرية، وتغيير فكرة الغرب ينبع من التغيير الداخلي.
الجريدة الرسمية